ومنذ ذلك الحين صارت رغبة اغريغوريوس شديدة في حياة التبتل. ونعرف من مؤلفاته انه كان على الأخص يميل إلى هذه الحالة المقدسة. فوصف امتيازها ومزاياها وصفا مطولا. وهو يتكلم بحماس شديد عن الالتزام بالحفاظ على نذر البتولية، ويدعو الحنث بهذا النذر موتا، وانتهكات للقديسات، وغدرا.
ذهابه إلى أثينا: ولما أكمل تعليمه بالقدر الممكن في مسقط رأسه، ذهب إلى قيصرية فلسطين، وذهب أخوه "سيزير" Ceasiro إلى الإسكندرية. وكانت في قيصرية المدرسة الشهيرة التي أسسها أوريجانوس، ومكتبة تلميذه القديس الشهيد "بامفيل" Pamphile الشهيرة. ومن فلسطين ذهب إلى الإسكندرية لزيارة أخيه "سيزير"، وقضى بعض الوقت معه، وبعد ذلك أبحر إلى أثينا التي كانت تعتبر دائما مركز المعارف والآداب.
لم يكن الوقت مناسبًا، فقد هبت عاصفة استمرت عشرين يوما. وفي لحظة ما امتلأت السفينة بالماء: حينئذ دعا البحارة والربان ولم يكونوا عند ذاك يعترفون بأي إله، دعوا جميعا الرب يسوع المسيح بصوت عال، فنجت السفينة. ولكن الماء العذب كان قد نفذ، إذ أن الأوعية التي كانوا يحتفظون فيها بالماء العذب كانت قد سقطت في البحر على أثر هزة عنيفة أثناء العاصفة. ثم تقابلوا مع سفينة تجارية فينيقية، وكان ركابها ذوى مروءة وشجاعة فأعطوهم ماء عذبا. ولكن العاصفة لم تهدأ، وفقد البحارة كل أمل. والشيء الذي كان يحزن اغريغوريوس أكثر من كل شيء، هو أنه لم يكن قد اعتمد بعد. وكان ألمه عظيما لدرجة أن البحارة أنفسهم كانوا يشفقون عليه. وكان يصلى إلى الله بدموع قائلا أنه يكرس من جديد حياته كلها، إذ خلصه من هذا الخطر. واستجاب الله صلاته وهدأت العاصفة. بل أكثر من ذلك حدث أن كل الذين كانوا معه في نفس السفينة آمنوا بالمسيح ووصلوا بسلام إلى اثينا.
إن القديس اغريغوريوس يتكلم عن هذه المدينة بحماس. ففي ذلك الحين كان هناك المعلمون الممتازون، ومن ضمنهم الخطيب "أنا طوليوس" Anatolius الذي جعله الإمبراطور قنسطننس حاكما، و"ديوفنط" Diophante الشهير مخترع علم الجبر، و"بروهيريزويوس" Proheresius أستاذ البلاغة الذي كان الإمبراطور قنسطنس قد استدعاه إلى بلاد الغال (فرنسا)، وعندما ر بروما ثانية، أعجبوا به درجة أن مجلس الشيوخ أقام له تمثالا كتبت عليه هذه العبارة:"من روما ملكة العالم إلى ملك البلاغة".