بحر الدماء ومائة ألف قتيل:
كانت ثمرة كتابات لوثر التطرف الشديد من الناحية الروحية والجسدية.. فالذين فسروا كتابات لوثر بالطريقة الروحية تطرفوا إلى أقصى حد.. ومنهم كارلستارت هادم الهياكل، ومنزر قائد الأنبياء المُلهمين، والذين فسروا هذه الكتابات بالطريقة الجسدية، سقطوا أيضًا في التطرف ونادوا بالمساواة والتحرر من خدمة الأمراء والإكليروس والامتناع عن دفع العشور للكنيسة..
لقد دفعت هذه الكتابات الفلاحين والعمال للغضب الشديد ضد الإكليروس والأمراء، ولاسيما أنهم أحسوا بمساندة لوثر لهم، الذي وجه تحذيره للأمراء قائلًا لهم أن غضب الفلاحين يعلن لكم غضب الله على أعمالكم وسوء تصرفاتكم.. وكانت نتيجة هذه الإثارة اللوثرية اندفاع الفلاحين في ثورة رهيبة نحو قصور الأمراء والإكليروس يقتلون ويسلبون ويحرقون ويدمرون ويهدمون والشياطين يرقصون فرحًا، وصدر بيان 26 إبريل يستحث الفلاحين: "تقدموا.. تقدموا إلى الأمام.. ولتظل سيوفكم ساخنة بالدماء بدون شفقة"..
ولكن الأمور لم تسر حسب هوى الفلاحين ولوثر للنهاية، لأن الأمراء استطاعوا توحيد صفوفهم واستأجروا بعض المحاربين الإيطاليين وانقلبوا على الفلاحين يعملون فيهم قتلًا وتنكيلًا وذبحًا وتعذيبًا.. فماذا كان موقف لوثر عندئذٍ..؟
ومن عجب العجاب ليس تخلي لوثر عن مساندة الفلاحين، ولكن انقلابه ضدهم وانضمامه للجانب المنتصر.. فتودد للأمراء بل أثارهم ضد الفلاحين، وقد سجل التاريخ للوثر صرخته للأمراء قائلًا:
"قاتلوا هؤلاء الفلاحين ككلاب مسعورة"(46)
ودعنا يا صديقي نفسح المجال للدكتور البروتستانتي عزت زكي لإدانة قائده الروحي مارتن لوثر:
"لكننا لا يمكن ولا يمكن أيضًا للتاريخ أن يغفر له (لوثر) دعوته للأمراء لسحق الفلاحين دون رحمة.. ألم تكن ثورة الفلاحين إلى حد ما متأثرة باندفاعه ضد البابوية في بعض التصرفات..؟ إن منظر راهب فيتمبرج على رأس زملائه وقد أشعل النار في مرسوم البابا وكتب القانون الكنسي لابد انه كان لها أثرها"(47)
ويكفي يا صديقي أن تعلم أن ثمرة لوثر الثائر ضد الله والكنيسة والمجتمع مائة ألف قتيل.. وليس نهاية المطاف بعد..
لوثر ينقض نذره:
وفي سن الثانية والأربعين نقض لوثر ندر البتولية والرهبنة وتزوج بالراهبة كاترين هانزفون بورا في 13 يونيو سنة 1525م وانجب خمسة أطفال: يوحنا واليزابيث ومجدولين ومارتن وبولس.. ماتت اليزابيث في السنة الأولى من عمرها ومجدولين في السنة الثالثة..