12- ليس من المنطق أن نحكم على أحداث حدثت منذ 35 قرنًا أي منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام بمقاييس اليوم ومبادئ حقوق الإنسان، فما كان سائدًا حينذاك هو الغزو والنهب وتقسيم الغنائم، ومصادرة الحق في الحياة عند إستشعار الخطر، فهكذا فعل فرعون عندما أصدر قراره بقتل كل أطفال العبرانيين من الذكور، بل أن بني إسرائيل فيما بينهم في عصر القضاه وما بعده طالما نشبت بينهم الحروب وراح ضحيتها عشرات الألوف (قض 12: 6، قض 20).
وجاء في كتاب " غوامض العهد القديم": "يكفي أن نلاحظ بأن قتل كل الرجال بل وكل السكان القاطنين في مدينة مغلوبة كانت عادة عامة في الحرب في العصور الأولى. مثال ذلك أنه وُجِد على الحجر الموآبي الأثري القديم كلام للملك حيث يقول {حاربت مدينة " عتاروث " من سبط جاد وأخذتها وذبحت كل الرجال إكرامًا للإله كموش إله موآب. وأخذت مدين " نبو " من إسرائيل وذبحت كل سكانها حتى رؤساء القبائل والنساء والأطفال لأن كموش لعنها}"(34).
ويكفي أن نسجل هنا ما فعله الهكسوس بالبلاد المصرية، وقد وصف أحد شهود العيان ما حلَّ ببلادنا المصرية جراء هذا الغزو من حرق المدن، وهدم المعابد، والمذابح الجماعية، وبيع البشر كالسوام في أسواق العبودية، فقال " ولسبب ما لا أعرف عنه شيئًا، حلَّت بنا صاعقة إلهيَّة، فعلى حين غرة زحف غزاة من جهة الشرق ينحدرون من أصول عرقية يكتنفها الغموض، وكلهم ثقة في إحراز النصر ضد بلادنا. واستطاعوا اعتمادا على أعمال أقصى درجات الجبروت، التفوق بسهولة كبيرة على حكام البلاد، فاضرموا النيران دون رحمة في مدننا، وسهدموا معابد الآلهة، وعاملوا كافة الأهالي، أبناء مصر، بعدوانية وقسوة، حيث ساقوا بعضهم إلى المذابح، وقادوا زوجات وأطفال البعض إلى أسواق العبودية، وفي نهاية المطاف نصَّبوا أحد عناصرهم في منصب ملك مصر باسم " ساليتيس " Salitis وقد أتخذ هذا الملك الأجنبي مقر عرشه في " منف " حيث شرع في جباية الجزية من الوجهين القبلي والبحري، وفي إقامة الحاميات العسكرية وراءه حيثما حلَّ.. وقد أسَّس.. " أباريس" (= أورايس) Avaris ونصب هناك حامية قوامها أكثر من 240 ألف جندي مدججين بالسلاح كي يحموا حدوده"(35).