ثانيًا: الشر يأكل نفسه:
1- الله كامل في ذاته متكامل في صفاته، كامل في رحمته وكامل في عدله، هو محب وحنون وشفوق وهو أيضًا قاضٍ عادل يجازي كل واحد بحسب أعماله ومخوف هو الوقوع في يديه. الله يطيل أناته جدًا جدًا ولكن لابد أن يقتصَّ من الأشرار، فذلك من مقتضيات عدله، فهو يُمهِل ولا يُهمِل، يطيل أناته ولكن لكل تصرف حسابه.. تصوَّر لو أن القضاة في مدينة كبيرة ميَّعوا الأمور وغلَّبوا الرحمة على العدل، فكفوا عن توقيع أية عقوبات على المخالفين واللصوص والمجرمين وتجار المخدرات، تُرى هل تَرى هذه المدينة أمنًا ولا أمانًا؟! هل يأمن سكانها على أنفسهم وعلى أسرهم وعلى ممتلكاتهم..؟! قطعًا لا، بل ستسود شريعة الغاب، حتى يعود القضاة إلى قاعدة العدل والإستقامة، وإما ستضمحل هذه المدينة العظيمة وتزول.
2- توغَّلت شعوب كنعان في الشر، حتى صعدت شرورها إلى عنان السماء، وأطال الله آناته عليها كثيرًا كثيرًا ولمئات السنين، وقد أخبر الله إبراهيم بأن نسله سيتغرب لمدة أربعمائة عام.. لماذا؟ " لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملًا" (تك 15: 16) ومرت أربعمائة سنة وشر هذه الشعوب في تصاعد مستمر لا يقف عند حد، فقدموا أطفالهم ذبائح بشرية للإله مُولك والإلهة عشتاروت، ومارست كاهنات المعابد الزنا والعهارة كطقس من طقوس العبادة الدنسة، وتوغَّلوا في السحر والعرافة والاتصال بالأرواح الشريرة، فكان لابد أن يسري عليهم الحكم الإلهي " لا تدَع ساحرة تعيش" (خر 22: 18)..