لاهوت الرخاء وَلَيِّ الحقائق والمبادئ الكتابيّة
تبدأ الفكرة كما اضطلعت على بعض ملامحها في كتابات بعضهم في ربط البركة الإلهيّة بالحالة الزمنيّة للمؤمن المسيحي، مدعية أنه لا يمكن أن يكون المسيحي مؤمنًا حقًا ويحيا في ألمٍ ومرضٍ وحاجة وفاقة!!!
إلاّ أنّ ميلاد المخلِّص يطلعنا على أوّل بذرة يزرعها في رحم إيماننا؛ فلقد وُلد السيّد ملك الكون والخليقة وربّها العلي في مزودٍ من خشبٍ متهرّأ يشاركه الرقاد حيوانات عجماء. لماذا؟؟؟ لأن المذود مبدأ إلهي؛ فالمسيح جاء ليلاشي الطبقيّة وليعلن أن شركته في فقر البشر إن هو إلا شركته فقر كلّ بشريٍّ آمن به وسار وراءه ليهبه سلامًا وفرحًا قلبيًّا وإن استمر الفقر ينشب مخالبه في وجدانه الإنساني.
حينما تقدّمت مريم ويوسف إلى الهيكل لتقدّم عن تطهيرها كانت تقدمتها كتلك التي للفقراء؛ زوجي حمام / فرخي حمام، فمبدأ المزود الفقير مازال مستمرًا في بيت الربّ..
هرب إلى مصر من بطش ملكٍ عاتٍ باحث عن الصولجان وإن على جثث الأطفال الصغار.. عاش في مصر كاللاجئين مرتحلاً من مكان إلى مكان دون سكنٍ دائم أو راحة للعائلة المقدّسة..
عاش نجارًا حرفيًّا يحيا كفاف العيش، لم يسكن يومًا قصرًا منيفًا ولا امتطى جوادًا ملكيًّا ولا ارتدى ثيابًا مذهبّة ولا تطيّب برياحين الولاة. ظلّ يحيا الكفاف لم يتخطّاه يومًا قط. علّم أنه ليس له أين يسند رأسه، فإن كان له نصيبٌ من المال لأمّن مكانًا مناسبًا أينما حلّ، له ولأتباعه ليرتاحوا من عناء الطرقات الوعرة ما بين أقاصي اليهوديّة والجليل والسامرة. طالب أحدهم أن يترك ماله ليتبعه!! ألم يكن ممكنًا له أن يؤكِّد على نفع المال إن وضع في مكانه الصحيح، ولكنه يحرّر أتباعه أولاً من عبوديّة المادّة حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع المادّة إن ملأت خزائنهم.
لم يشترى طعامًا للجموع ولكنّه تضرّع من أجلهم حتى يأكلوا من يد الله، ليشير إلى العناية الإلهية وقت الحاجة لا ليؤصِّل لغنى ينسكب على المُصلِّي. كان يعلم أنّ الطعام قادر أن يجتذب جموع لذا كان حريصًا أن يكون مشبعًا لقلوب البشر أولاً لا بطونهم حتى يكون أتباعه بني الملكوت لا حفنة من الجياع إلى خبز ومأوى.
وكما جاء في مذود ليرسِّخ مبدأ مشاركة الفقير في فقره، مات على صليبٍ ليعلن أنّ المسيحي مصلوب إلى نهاية أيامه؛ والمسيحيّة بجملتها بتعبير المطران جورج خضر “مصلوبيّة”، تحمل الصليب وإن كان وجهه مرضًا أو جوعًا أو عريًا أو فقرًا...