من كلمات بطرس والرسل يرتسم أمامنا أساس لعلاقة الكنيسة بالسلطات القائمة آنذاك؛ إذ لا يجب الخلط بين طاعة الله وطاعة البشر، حينما يكون هناك تعارض. فالكرازة بكلمة الحياة كانت وصيّة المسيح قبيل صعوده إلى السماء، كما كانت تعليمات السماء بفم الملاك للرسل، وهنا تتعارض الوصيّة مع مطلب السلطات، ويبقَى القانون الذي سارت عليه الكنيسة وأرادات أن تُقدِّمه لنا في كلّ العصور وتحت مختلف الظروف هو أنّ طاعة الله تتقدّم على طاعة البشر.
لقد كتب القديس بطرس في رسالته؛ «فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ. كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ» (1بط2: 13-17). هنا ويبدو أن هناك تناقض بين ما قام به بطرس وصرّح به الرسل أمام المجمع، وبين تعليم بطرس الرسول فيما بعد. ولكن بنظرة أكثر عمقًا نجد أنّ الخضوع والطاعة والإكرام للسلطات الذي يطالب به القديس بطرس، الكنيسة، هو في إطار القوانين المدنيّة والتي لا تتعارض ولا تتداخل مع القانون الإلهي والوصيّة الإلهيّة؛ ولعلّ استشهاد القديس بطرس على يد السلطات لهو أقوى دليل على ضرورة عدم الخلط بين الطاعة الكاملة للوصيّة الإلهيّة وإن نتج عنه غضب السلطات، وبين الخضوع للترتيب البشري والقانون الوضعي الذي يحكم المعاملات بين الناس في إطار شرعيّة قانونيّة وقضائيّة تُظلِّل على الجانب التنفيذي منه.
اجتمع المجمع اليهودي والمكوَّن عادةً من 71 عضوًا يشمل رئيس الكهنة ليتباحثوا بخصوص الأزمة التي بدأت تتفاقم في المجتمع. وكانت تتعالى دعاوى بضرورة القضاء عليهم كما يسوع، لئلا يحدث ما لا يُحمد عقباه. إلاّ أنّ صوتًا عاقلاً وجد له مكانًا في جلستهم الصاخبة؛ هو غمالائيل(11) الشيخ الفريسي، والذي أشار على المجمع المنعقد بأن يتركوا القضاء لله لتظهر أحكامه، فإن كان هذا الأمر من الله سيثبت وإن لم يكن فسوف يتلاشى من تلقاء ذاته(12) مدلِّلاً بحركة ثوداس ومن معه، واستجاب الجمع لرأيه و«دَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ»(أع5: 40). وكان الجلد بحسب القانون اليهودي، أربعين جلدة إلاّ واحدة (حتّى تقبل القسمة على ثلاثة كما تقول المشناه).