وبعد أن استفسروا منهم عن مصدر القدرة التي جعلتهم يقيمون الرجل الأعرج، أوضح لهم بطرس أنّ القوّة نابعة من يسوع الذي قتلوه منذ أيامٍ ليست بكثيرة. ويضيف سفر الأعمال؛ «فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ.» (أع4: 13). لقد تعجّب اليهود المجتمعين من قدرّة الرسوليْن على الحديث بالرغم من كونهما «عديما العلم وعاميّان». إنّ “عاميان” وردت في النصّ اليوناني ἰδιώτης وهي تعني الشخص غير المتخصِّص في مجالٍ ما.(3) والعلم المقصود هنا هو الدراسة في المدارس اليهوديّة للتوراة والمشناه وغيرها من نصوص التقليد،(4) والتي تؤهِّل الشخص للحديث في الأمور العقائديّة، إذ كان بطرس يخاطب الناس في رواق سليمان. مَنْ لم ينل ولو قسطًا صغيرًا من التعليم كان في مرتبة متدنّية في المجتمع اليهودي، ومن ثمّ كان يُنظر إليه نظرة دونيّة ولم يكن يُنتظر منه الكثير على أيّة حال. إنّ تلك النظرة كانت هي النظرة إلى المسيح أيضًا، حينما صعد يسوع إلى الهيكل ليُعلِّم؛ «فَتَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: ‘كَيْفَ هذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟’.» (يو7: 15). كان ردّ يسوع عليهم؛ «تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يو7: 16). لذا فقد كتب يوحنّا الذهبي الفم عن بطرس وبولس المُجاهرين بالقيامة أمام اليهود؛ “لم يكن الرسولان هما المتكلّمان ولكن نعمة الروح.”(5) أي أن قياس كلامهما لا يجب أن يُبنَى على معارفهما بل على معارف الروح اللاّمحدودة، المتكلِّم فيهما.
إنّ هاتين الكلمتين؛ «عديما العلم وعاميّان»، تلقيان بالضوء على ردّ فعل قادة اليهود تجاههم فقد دعوهما؛ «وَأَوْصَوْهُمَا أَنْ لاَ يَنْطِقَا الْبَتَّةَ، وَلاَ يُعَلِّمَا بِاسْمِ يَسُوعَ.» (أع4: 18). لقد كان السبب الحقيقي لذلك الحُكم أنهم كانوا خائفين من ردود الأفعال تجاه محاكمة الرسل أو قتلهم، لذا فقد رأوا أن القليل من التهديد قد يكفي تلك المرّة؛ «مَاذَا نَفْعَلُ بِهذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ لأَنَّهُ ظَاهِرٌ لِجَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنَّ آيَةً مَعْلُومَةً قَدْ جَرَتْ بِأَيْدِيهِمَا، وَلاَ نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَ. وَلكِنْ لِئَلاَّ تَشِيعَ أَكْثَرَ فِي الشَّعْبِ، لِنُهَدِّدْهُمَا تَهْدِيدًا أَنْ لاَ يُكَلِّمَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فِيمَا بَعْدُ بِهذَا الاسْمِ» (أع4: 16، 17). ولكن كانت الإشكاليّة هي: كيف سيُقدّمون الحُكم أمام النّاس والذي قد يُنظَر إليه بأنّه تساهُل تجاه تلك الحركة الجديدة، كان عليهم أن يحيكوا المؤامرة جيِّدًا كما اعتادوا؛ «وَتَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ» (أع4: 15)، ولعلّ ما ساعدهم على ذلك أنه كان هناك قانون يهودي في القرن الأوّل الميلادي يمنع معاقبة غير المتعلِّمين على خطأهم الأوّل الذي يكون عادة نتيجة الجهل. ولعلّ هذا الإطار كان مخرجًا لهم أمام إطلاقهم للرسل دون عقوبةٍ.(6)