الفصل السابع: الكنيسة
تدثّر كليمندس بالعباءة والملفحة، والتفت إلى إليوس معتذرًا أنّ عليه الذهاب الآن ليجتمع مع الإخوة. طلب منه إليوس مرافقته، فوافق على ذلك.
لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي يُلقَى فيها القبض على مسيحيين بسبب شكايات الوثنيين، فلقد اعتاد مسيحيّو الإسكندريّة على هذا الأمر.
وَضْعُ المسيحيين في المدينة لم يكن بالجيّد، فلقد كان يُنظَر للمسيحيّة على أنّها في صدام مع الإمبراطوريّة ولعل ذلك بسبب رفض المسيحيين التهادن مع الإمبراطوريّة في عبادة الإمبراطور وتقديم البخور له، الأمر الذي كان بمثابة رفض للسيادة الإمبراطوريّة على رعايا البلاد.
في الطريق قال إليوس لكليمندس إنّ هذا ليس طريق الوالي، فأجابه بل هو الطريق إلى الوالي.. ولكن الوالي الحقيقي؛ مَنْ بيده أمور الحياة كلّها.
كانت وِجْهَة كليمندس، الكنيسة، وحالما وصل إلى هناك، كان العشرات من الإخوة مجتمعين. دخلوا إلى صحن الكنيسة واصطفّوا في هدوءٍ في مواجهة المذبح، نحو الشرق، وساد صمتٌ.
لم يكن إليوس يفهم ما الذي يجري. فمَنْ الذي جمع هؤلاء؟ ولماذا يجتمعون ههنا الآن؟ ولماذا لا يذهبون إلى دار الولاية ليُقدِّموا شكواهم إلى الوالي؟ أسئلةٌ خرجت من عُشِّ عقله فلم تجد لها إجابة فعادت إلى الداخل من جديد.
وقف الكاهن مقابلهم وقد علا رأسه وشِاحًا بُنيًّا، وهو يقول:
لقد قال الربّ: إنّ العالم سيضطهدكم لأنّه قد اضطهدني أولًا.. سيقوم أمامكم ملوكٌ وولاةٌ لإرهابكم لترك اسمي.. سيقتادونكم إلى السجون وستلقون الإهانة والذُلّ والهوان من أجل محبّتي.. سيعذّبونكم ويضربونكم بقسوةٍ بلا شفقةٍ، حتّى النساء والشيوخ والأطفال، من أجلي.. سيقدّمونكم للمُحاكمات المُلفّقة وسيقتلونكم من أجلي..
نعم يا أخوتي لقد سبق الربّ فأنبأنا بضيقاتِ العالم الحاضر، ولكن كما قال القديس بولس العظيم: إنّ خفّة ضيقتنا الأرضيّة تُنشِئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبديٍّ.. إنّه المجد الأبدي الذي ننتظره ونشتاق إليه ونترك كلّ شيءٍ.. كلّ شيءٍ.. سعيًا إليه.
مائدةُ الحَمَل مُعدّة لمَنْ يصبرون إلى المُنتهَى.. هناك الخلاص الأبدي والفرح الذي لا يُنطق به ومجيد..
لقد امتحن الربُّ إيماننا اليوم في أخواتنا ميلانيه وإيلارية وماريا، اللواتي كرّسن حياتهن لعون الفقراء والمساكين والمرضَى والمُتألّمين دون أجرٍ، ولكن طُهر الفتيات لم يحتمله سلطان الظلمة، فأوغروا صدر الوالي من جهتهن، وهن الآن في السجنِ.. في القيود.. من أجل الربّ.
إنّ الحبَّ يُختبر في تلك اللّحظات؛ مَنْ كان يُحبّ من كلّ القلب، يجتاز محنة الإيمان، ومَنْ كانت محبّته ناقصة دعونا نُصلّي من أجله ليتشدّد إيمانه..