- هاك النعنع الدافِئ.
- شكرًا لك.
لاحظ كليمندس أن عينا إليوس تسترق النظر إلى تلك الحجرة المليئة بالرقوق، فما كان منه إلاّ أن قال: أراك شغوفًا بالمعرفة.
- نعم أنا كذلك.
- لقد قضيت عمري بين الرقوق ألتهم المعرفة التهامًا، بل وقد تركت عنّي كلّ مباهج الحياة، وجُلْتُ سائحًا ما بين اليونان وسوريا وروما من أجل تحصيل العلم.
لمعت عينا إليوس وهو يقول: هل كنت في اليونان؟
- نعم، وقد كنت أتردّد على الأكاديميّة في أثينا (التي أسّسها أفلاطون) لفترات طويلة حتّى ألممت تمامًا بالفكر الأفلاطوني..
تحوّلت عينا إليوس إلى غرفة الرقوق وهو يقول: أراك فتحت فرعًا للمكتبة الأم هنا في منزلك.
- بالطبع لا، فالمكتبة السكندريّة لا تدانيها مكتبة في العالم أجمع، وحتّى الآن أنا أتردّد عليها..
- ولكني لم آت إلى هنا لأتباحث في أمور الكتب والمعرفة، ولكن لأسأل: لماذا تُغرِّرون بأبناء سيرابيس لتقتادوهم للإيمان بمعتقدكم؟
- هل تعرف أنّ سيرابيس هو أوزير أبيس أي العجل أبيس المُتَّحِد في العالم السفلي بأوزيريس كما تقول الأسطورة؟؟ هل يمكن لعجلٍ أنْ يتَّحِد بإله ليتخلَّق إله جديد؟!! ولكن على أيّة حال نحن نُعلِن عن تعاليم إلهنا لمن يُقْبِل إلينا، ومَنْ يَقْبَل نُرحّب به ونُرشِده للطريق الصحيح، فنحن لا نُصادِر على حُريّات الآخرين..
- وماذا عن الفتيات الصغيرات؟
- وماذا عنهن؟
- إنكم تسلبون عقولهن بمعجزات إلهكم.
- عمّن تتحدّث؟
- عن أبولّلونيا.
- وهل تعرفها؟
- إنها أختي.
ابتسم كليمندس ابتسامة هادئة وهو يقول: إليوس، إنّ أختك تبلغ من العمر عشرين عامًا ومَنْ هم في سنّها مُتزوّجات ولهم أبناء ويحملون مسؤوليّات، فهي ليست طفلة..
- مهما يكن.
- هل تعلم أنّها لم تعتمد حتّى الآن؟
- ماذا يعني هذا؟
- إنّ المعموديّة تهبنا نعمة الاستنارة لتتحوَّل طبائعنا التي كانت رهن قيود الشرِّ إلى طبائعٍ جديدةٍ مُقدّسة تتّجه لله وتتأمّل في النور الإلهي بعد أنْ سقطت عنها أغطية الجهل.. إنّ أبولّلونيا تتعلّم الآن ركائز الإيمان المسيحي، ومتى اكتمل إيمانها وفهمها تستطيع أنْ تنال نعمة المعموديّة المُقدّسة بالماء، وتصير مسيحيّة.
- أو ليست مسيحيّة الآن؟
- إنّها مسيحيّة في قلبها وقناعتها، ولكنّها ستنضمّ إلى الكنيسة لتستطيع أنْ تتناول من جسد الربّ ودمه بعد نوال المعموديّة التي تُحرِّر من الشرّ؛ فالتحرُّر من الشرّ هو بدء الخلاص.
هنا سُمِعَت طرقات على الباب، فاعتذر كليمندس لكي ما يقوم ليفتح للطارق.
كان على الباب شابٌ يحمل له رسالة، أخذها منه شاكرًا، وأغلق الباب. فتحها وحينما بدأ في القراءة، شعر بفرحٍ بدا على وجهه..