بدأ الرابي بقراءة نصٍّ من سفر الخروج، وهو يتمايل إلى الأمام والخلف في حركة منتظمة كبندول الساعة. توقّف عن الحركة والقراءة وسأل أبشالوم: قل لي يا أبشالوم، في رأيك هل هناك ما يعوق دراسة الشريعة؟
أجاب أبشالوم بنبرة متردِّدة بعد لحظة تفكير جابت فيه عيناه سقف الغرفة: الفقر!!
أمال الرابي رأسه إلى أسفل رافعًا عينيه إلى أعلى وهو يقول: عندما تقف النفوس قبالة كرسيّ الحكم الذي لله. يبدأ في سؤال الفقراء والأغنياء والشهوانيين عن عُذرهم في عدم دراسة الشريعة. إن تعلَّل الفقير بفقره يتم تذكيره بهلِّل، فبالرغم من أنّ دخله المالي كان قليلاً إلاّ أنّه كان ينفق نصفه ليدفع رسم الدخول إلى مدرسة الشريعة.. وإنّ اعتذر الغني مُتعلِّلاً بشؤون تجارته وثروته يُجاب بأنّ الرابي أليعزر كان يملك ألف حُرج وألف سفينة، ومع ذلك تخلَّى عن مُتع الثروة كلّها، وراح يرتحل من مدينة إلى أخرى بحثًا عن مسالك الشريعة وتفاسيرها.. وإن احتجّ الشهواني بأنّ الشهوة أغوته وحرفته عن جادّة الصواب صوب الرذيلة، يسأله الله هل تعرَّض لغوايةٍ أكثر ممّا تعرض له يوسف..
وقتها سيستدّ فم الكسالى أمام الله..
بدت عينا أبشالوم ساهمة، فبادره الرابي قائلاً: ما لك اليوم يا أبشالوم؟؟
- في الحقيقة يا مُعلّم، عندي بعض التساؤلات التي تستولي على عقلي؟
- عن ماذا أردت أنْ تسأل؟
- لقد دار حوارٌ بيني وبين أحد أتباع يسوع المصلوب والذي قرأ لي نصّ المزمور الثاني والعشرين. هل لي بقراءة فقرة منه الآن؟
- تفضَّل..
- لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ.
جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي.
ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ.
أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ.
يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.
لقد أخذ يشرح أنّه يتحدّث عن المسيّا، وطبّق هذا المزمور على يسوع الناصري مُدّعيًا أنّه هو هو المسيّا.. وأنّ ثقب اليد والرجل هو الصلب، والعظام التي أحُصيت إشارةً إلى عدم كسر عظامه كما كانت العادة مع المصلوبين، وأنّ اقتسام الثياب وإلقاء القرعة عليها هو نفس ما جرى من الجند الرومان على الجلجثة..