لم يكن أبشالوم يَسْلَم من مضايقاتِ شباب اليونانيين. ففي صباح اليوم أثناء ارتياده للأجورا لشراء مستلزمات حِرَفيّة، وقف أحد الشباب مقابله، إذ عرف أنّه يهوديٌ من التيفلّلين (عصائب جلديّة تحتوي على فقرات من التوراة) الذي لفّ به رأسه، مُتعمِّدًا السخرية من اسم يهوه وهو يقول لرفقته في وسط الأجورا: إنّ يهوه استيقظ اليوم من راحته وسُباته بالأمس؛ السبت.. ليته يتلقّن من سيرابيس كيف يقف يقظًا ساهرًا طوال اليوم.. ويتضاحك الجميع وهم يتمايلون.. يرد آخر: لعلّ يهوه كان يجمع الأموال ليدفع الضريبة لجوبيتر(1)!! الأمر الذي يدفع أبشالوم إلى العراك معه، ساخرًا من سيرابيس في المقابل، قائلاً: إنّ سيرابيس يقف منتظرًا مَنْ يذهب به ليغتسل من أتربة الإسكندريّة وعواصفها.. ويتحوّل طيش الشباب إلى تطاحنٍ دينيٍّ يلتئم أتباعه في التوِّ لينتصرَ كلُّ منهم لإلهه..
لم ينس اليونانيون لليهود خيانتهم للإسكندريّة حينما كان يوليوس قيصر مُحاصَرًا في الإسكندريّة، ووصلت حملة رومانيّة لنجدته يتزعّمها مثراداتيس البرجامي، وكان في إمكان حامية ليونتوبوليس اليهوديّة أنْ تقف في وجهها وتردعها بمنتهى السهولة، إلاّ أنّهم ساعدوا الجيش الروماني في الوصولِ إلى قيصر بناءً على توجيهات من أنتيباتر في اليهوديّة. كما كانت موالاة اليهود لأوكتافيوس على حساب كليوباترا دافعًا لتأجيج مشاعر مواطنو الإسكندريّة ضِدّ اليهود الذين كان يبحثون عن مصالح خاصة على حساب مدينة الإسكندريّة.
في المقابل، لم ينس اليهود قرار فلاخوس الوالي في الماضي بإعلان اليهود أجانب وغرباء عن المدينة، وتحديد إقامتهم في الحي الرابع، بل إنّ الحامية الرومانيّة جالت في الحي ودمَّرت المساكن ونهبت المتاجر، وكذلك أوغر الرومان السكندريون صدر الإمبراطور من جهة اليهود إذ راسلوه قائلين: إنّ اليهود يرفضون وضع أيقوناته والتعبُّد لها.. ممّا أدّى إلى قتل الكثيرين في 31 أغسطس المشؤوم من عام 38 م..
كما لم يغفر اليهود ما حدث عام 66 في عهد نيرون، إذ أطلق تبيريوس يوليوس اسكندر الحاكم المصري، فرق جنود الرومان الذين عملوا النهب والسلب والقتل، وقتلوا في ذلك اليوم خمسون ألفًا ولم ينج منهم شيخًا ولا طفل..
كان يعقوب تيودوروس مارًّا من المكان، وحينما رأى العراك، تدخّل وسحب أبشالوم إلى الخارج، وابتعد به عن بؤرة الأحداث قبل أن تتفاقم الأمور ويتدخّل الجند الرومان.
يعقوب تيودوروس من اليهود المُتهللّنين المُتحرّرين، وهو اسم مُركَّب كعادة بعض اليهود في إضفاء صبغة يونانيّة على الاسم ليستطيع التعامل بحريّة في المجتمع التجاري السكندري.
كان يعقوب من الذين اندمجوا في الثقافة السكندريّة متخطيًّا حاجز العرق اليهودي، وكان ممّن يتبعون منهج فيلو الذي جمع بين الإيمان اليهودي والثقافة الإغريقيّة وكأنّه يحاول الخروج بطرفي النزاع في المجتمع إلى برّ الأمان والسلام.