عرض مشاركة واحدة
قديم 25 - 06 - 2014, 10:55 AM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رواية ليكن نور - الراهب سارافيم البرموسي

جلس الشيخ بلينوس على طاولته يُطالِع البرديّة للمرّة العاشرة، وهو مأخوذٌ بما جاء فيها، لقد استوقفه المدخل كلّ مرّة. كانت الأفكار تنثال عليه من كلّ صوبٍ وحدبٍ كأنّها مياه تحرّرت من شطآنها فتدافعت لتغزو جيوب صخرة عقله المُقفرة..
في البدء كان اللُّوغوس،
واللُّوغوس كان نحو الله،
وكان الُّلوغوس الله،
هذا كان في البدء عند الله.
كلُّ شيءٍ به كان
وبغيره لم يكن شيءٌ ممّا كان.
فيه كانت الحياة،
والحياة كانت نور النّاس،
والنور أضاء في الظلمة
والظلمة لم تُدركه.
كان يقرأها مِرارًا وتكرارًا ولا يستطيع تركها ليعبرَ على الفقرةِ التي تليها. فاللُّوغوس لم يكن إلهًا حسبما قال الأقدمون بل وحسب تعليم فيلو اليهودي أيضًا. أمّا الآن فالمسيحيّون يقولون إنّ اللُّوغوس إلهًا أي شخصًا واحدًا بسيطًا وليس مُركّبًا!!!
قام من مقعده مُتّجهًا نحو الجهة الشرقيّة للحائط والتي توكّأت عليها مئات البرديّات فوق أرففٍ. هناك وقف بُرهةً ليمدّ يده ويلتقط بعضٌ منها. وضعهم على طاولته، وبدأ يدسُّ عينيه داخل البرديّات وكأنّه على وشك أن يصير حرفًا أو كلمةً في إحداها، وطفق يقرأ..
بعدها جلس ليدوّن أفكاره ويرتّبها..
عند هيراقليتس، اللُّوغوس هو الرابط الذي يربط البشريّة بالكون وبذاته وبالألوهة، هو المبدأ العام الذي تألّفت منه كافة الموجودات الطبيعيّة بينما يراه السوفسطائيون هو قوّة الفكر والحديث والإقناع.
عند بلوتارخوس، اللُّوغوس هو أبولّلو الذي خلق العالم. الرواقيون يرون أنّ اللُّوغوس والإله والطبيعة والقَدَر شيئًا واحدًا، فقد أقرّ زينون مُؤسِّس المذهب الرواقي أنّ اللُّوغوس هو العلّة الأولى للوجود وهو العلّة الفاعلة في العالم كما إنّه صانع كلّ شيءٍ.
عند سقراط وأفلاطون فإنّ الحقّ يُعلَن حينما يُفسِّر اللُّوغوس الأسرار، إنّه يربط ما بين الفكر والكلمة والمادة والطبيعة والكينونة..
عند أرسطو، اللُّوغوس هو مصدر الفضيلة والتقوى في حياة البشر، فالأفعال تحدُّدها القناعات الناتجة عن فهم الأمور، والقناعات تتشكّل بالحديث.
فيلو يراه العقل الروحاني للإله المُتعالي وهو قوّة حاضرة في الوجود الكلّي للإله وفي نظام الكون، يُحقّق التوافق بين الأضدّاد وينشر السلام والوئام في العالم، هو مخلوق أبدي. إنّه النور الفائض من الله. إنه كلمة الله.
أمّا المسيحيّون يرون كلمة الله، اللُّوغوس، شخصًا حيًّا بسيطًا خالقًا غير مخلوقٍ، لا كوسيط أدنى. إنّه مكوّن كلّ شيء وأصل كلّ شيء ونبع الحياة لكلّ حيّ، إنّه الله المُرسَل ليفتدي البشريّة من سلطان الفساد ومملكة الظلمة.
كان بلينوس مُتحيِّرًا لأنّ ما قرأه جديدٌ كلّ الجدّة عمّا اعتاده في النظريات الفلسفيّة عن الإله.
طرق على الباب الخادم الذي أخبره أنّ الوقت تأخّر وأن عليه أن ينل قسطًا من الراحة. فوجئ بلينوس بمقدم الليل وقرب انتهائه. أطفأ السراج الموضوع على طاولته. وخرج ليستنشق بعض الهواء من نسيم ليل الإسكندريّة الساحر، وبينما كانت المدينة تسبح في عوالم النوم، كان فكره يُحلّق بكلمات النسر الإنجيلي..
رفع عينيه إلى السماء، وكأنّه ينشد بمكنونات نفسه في آذان الليل، قائلاً:
أيّها اللُّوغوس الأزلي
إنْ كنت أتيت كنورٍ لمَنْ يسلكون في وهادِ الظلمة
لتُعلِنَ عن فجرٍ جديدٍ في طبيعة البشر
ولترسمَ بأنامل سلطانك الإلهي
خارطة لمملكة البرّ وسط فساد الميول والأهواء
أعلن لي عن ذاتك لأعرفك وأدركك
وقتها سأسير مُخبّرًا عنك وسط معاقل سيرابيس وأتون
وسأقدّمك للفلاسفة حقًّا طالما نشدوه بين بطون الرقوق
التمعت نجوم اللّيل وكأنّها تعلن عن استجابةٍ كونيّةٍ.. كما التمعت صفحة البحر تحت ضياء المنارة الكبيرة. دخل إلى حجرته مُمدِّدًا جسده المُنهَك وعقله الحالم بمعرفة اللُّوغوس..

__________________
  رد مع اقتباس