كان بلينوس شيخًا صحيح الجسد، ذو لحية كثيفة بيضاء، كثُّ الشعر، بسيط الملبس، تعلو ظهره انحناءة كما للعلماء والمفكّرين، عيناه صغيرتان وكأنّهما ضمرتا من فرط الاستخدام، يُغلّف مجلسه صمتٌ وهدوءٌ.
اشتهر بلينوس في الموسيون ببحثه الدائم عن طبيعة الحياة بعد الموت. ومنذ بضعة أسابيع، اشتعل لهب الحوار بينه وبين أحد زملائه من أتباع المذهب الأورفي (نسبة إلى أورفيوس الذي عاش في تراقيا قبل عصر هوميروس)، إذ رفض بلينوس أنْ يكون مقرّ الروح الأخيرة في مجلسٍ تهنأ فيه بالطعامِ والشرابِ الخالدين. كما رفض أيضًا معتقدهم بأنّ النفس أسيرة الجسد كعقاب قديم للإنسان حينما تذوّق التيتان (مردة وشياطين) لحم ديونيسوس. كان لديه شعور ينسجه العقل أنّ كلّ ما هو مخلوق له هدف وفائدة وقيمة تبرز حينما نتصوَّر غيابه، وأنّ العالم الآخر له طبيعة تختلف عن طبيعة هذا العالم الحسّي الذي يدور في فلك الجسد..
المُعلِّم بلينوس، قال إليوس.
التفت إليه المُعلِّم، ورفع عينيه عن برديّة كان يُطالِعها، وأومأ إليه بالإيجاب.
- لقد جئت بناءً على توصيةٍ من مُعلِّمي بسكينوس، لأنّ لديّ بعض التساؤلات عن فقرةٍ قرأتها لأفلاطون.
قال بلينوس دون أن يرفع عينيه عن البرديّة التي يقرأها: أو قرأت أفلاطون!!
- نعم، وأحاول فهمه على قدر استطاعتي.
التفت إليه بوجهه دون الجسد وقال: إنّه من أجلّ فلاسفة اليونان، وله أيادٍ بيضاء على الحياة الفكريّة في العالمِ أجمع.