وصل إليوس إلى الموسيون، فخر الإسكندريّة..
الموسيون هو المكان الذي يرتاده العلماء والأدباء والفلاسفة ليركبوا قاطرة العِلم، ويشرف عليه الكاهنُ الأعظمُ الذي لمعبدِ سيرابيس. المكان أشبه بمدينة أكاديميّة كبيرة ينكبّ فيها الجميع على البحث عمّا هو جديد في شتّى المجالات، كما كان موطنًا لمَنْ أراد التتلمذ على أيدي صفوة علماء وأدباء وفلاسفة العالم آنذاك.
كان يشعر حينما يدخل من بوابته العالية أنّه دخل إلى عالمٍ آخر لا يوجد فيه سوى العلم والفكر والثقافة؛ عالم ربّات العلم والمعرفة: آل موساي، بنات الإله زيوس والإلهة منيموسوني، إلهة الذاكرة.
كانت تماثيل ربّات المعرفة تنتشر في المكان؛ فها هي كليو ربّة التاريخ حاملة السجل الكبير، وكاليوب ربّة الشعر الملحمي وصاحبة الصوت الشجي، أمّا إيراتو ربّة شعر العشق والهوى، تقف حاملة قيثارتها وكأنّها تعزف على أوتار القلوب، وكثيرًا ما كانت تُولَد قصص للحبّ تحت أقدامها.
إيوترب ربّة السعادة تحمل في يديها الرفيعتين، فلوت، داعيةً الجميع لقنص لحظات السعادة من بين أجنحة الحياة، وإلى جوارها تقف ملبومين ربّة التراجيديا وهي حاملةٌ لقناعٍ حزينٍ وكأنّها تجسُّد مآسي البشر وجراحهم، وتجاورها بوليمنيا ربّة الألحان ذات النظرة الساجية الساهمة، بينما تربسكور ربّة الرقص والغناء تحمل قيثارتها وكأنّها ترقص على أنغامها، أمّا ثاليا تلك الزهرة المتفتّحة هي ربّة الكوميديا وتحمل قناعًا ضاحكًا، وأخيرًا تقف يورانيا بشموخها وتطلُّعها السمائي.
التماثيل المرمريّة والذهبيّة كانت تحتضن أشعّة الشمس لتُرسِلها عزةً وجلالاً في أعين البشر.
كان يُبهِر إليوس القادمون من كلّ مكانٍ في العالم، إلى الموسيون، ليتعلّموا وليتعايشوا معًا.
كان يحيط بالموسيون باحة كبيرة بها صور وتماثيل من فضةٍ وذهبٍ إغريقيّة الجمال، على ساحتها الفسيحة نَمَت الأشجار وأُقيمت الدهاليز والممار المسقوفة والمكتبات الفرعيّة وحُجرات خاصة بالرجال وأماكن خلوات العبادة.