دير السريان:
ذكرنا فيما سبق أن الرهبان السريان قصدوا البراري المصرية للتعبد والنسك بها منذ عصور الرهبنة الأولى، وتمركزوا أولًا بدير الزجاج بغرب الإسكندرية حيث تخرج فيه مشاهير منهم. وفيه ضبطت الترجمة الحرقلية، وفيه دفن القديس ساويرس الأنطاكي بعد دفنه بسخا فترة. ثم تفرقوا في سائر الرباري والأديرة المصرية، إلى أن جاءت فكرة تجمعهم في دير واحد يحمل اسمهم، ونفذت هذه الفكرة في الغالب بعد دمار أديرة برية الإسقيط سنة 817م على أيدي البربر في عهد البابا مرقس الثاني (الـ49). بيد أن المؤرخين مختلفون في تحديد سنة إنشاء ذلك الدير، فيرى البعض أن البداية كانت على أيدي ثلاثة رهبان من تكريت هم متى وأبرام ويعقوب (الأول والثاني منهم أخوان شيقيقان)، كانوا في دير مار ميخائيل[38]. بصعيد مصر، وانتقلوا إلى الإسقيط في الفترة ما بين 819- 836م، ومعهم عشرة كتب في المكان الذي صار فيما بعد دير السريان[39].
أما البعض الآخر فيعتقد بتقليد من الممكن أن يكون متأخرًا نوعًا ما، يقول بشراء الدير من القبط باثني عشر ألف دينار ذهب حتى يتسنى للرهبان السريان المشتتين في الأديرة الأخرى التجمع فيه، وليتمكنوا من استقبال الراغبين في الانضمام إليهم. وينسبون هذه العملية لشخص يدعى "ماروثا بن حبيب التكريتي" التاجر السرياني التكريتي الذي كان يعيش بالفسطاط[40].
كما يرى البعض أن زيارة البطريرك الأنطاكي ديونيسيوس التلمحري لمصر (سوف يأتي عنها الكلام فيما بعد) قد لعبت دورًا في تجميع الرهبان السريان في دير واحد[41]، وبالتالي كان تأسيس هذا الدير، وهذا رأي الكثير من مؤرخي الكنيسة القبطية المعاصرين مثل أ. نبيه كامل داود عضو اللجنة البابوية لشئون الكنائس القبطية القديمة وأستاذ مادة تاريخ الكنيسة بالكلية الإكليريكية بالقاهرة سابقًا.
غير أني لا أحب أن أكرر ما ذكرته بدقة (الباحثة العلامة إفيلين هوايت) عن قصة دير السريان ورؤسائه[42].