ثانيًا : الاستعدادات للدفن:
(1) سرعة الاستعداد: تتم هذه الإجراءات بسرعة، وتحت سطوة التقاليد لا يمكن أن تتم بنظام دقيق، فيسجى الجثمان في النعش بكامل ملابسه، ويغطي بعباءة أو ملاءة ثم يحمل إلى القبر. ونقرأ عن "حنانيا" أن الأحداث "لفوه وحملوه خارجًا ودفنوه" (أع 5: 6)، فقد تعجلوا دفنه دون إقامة أي مراسم أو طقوس.
(2) شعائر الدفن: كان الدفن عادة يستغرق وقتًا أكبر، وله شعائر معينة، فكان هناك غسل الجثمان (أع 9: 37)، ودهنه بزيوت عطرية وأطياب (يو12: 7، 19: 39، مرقس 16: 1، لو24: 1). ولف اليدين والقدمين بمنديل من الكتان (يو11: 44)، وكان الجثمان يضمخ عادة بالعطور والأطياب لتأخير عملية التعفن، وهو ما صنعه أهل بيت عنيا مع لعازر عند موته، فقد خرج عندما ناداه يسوع من القبر ملفوفًا بأقمطة ووجهه ملفوفًا بمنديل (يو11: 44)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.وقد احضر نيقوديموس مزيجًا من المر والعود "نحو مائة منا. فأخذا (يوسف الرامي ونيقوديموس) جسد يسوع ولفَّاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا" (يو19: 39و40). "وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجلدية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه" (مر 16: 1، لو24: 1).
وكان تضميخ الجسد بالأطياب عادة قديمة فالملك آسا مثلًا "أضجعوه في سرير كان مملوءًا أطيابًا وأصنافًا عطرة حسب صناعة العطارة"(2 أخ 16: 14).
وكانت اجراءات الدفن، يقوم بها عادة الأقارب والأصدقاء، وفي أغلب الأحيان تقوم بها النساء. وقد احتفظت لنا أساطير اليونان بقصة تؤكد مغزى أن يقوم القريب أو الحبيب بإجراءات الدفن، فقد عرفت أليكترابموت "أورستس"( Orestes ) ووضع رفاته في أنبوبة، فبكته وندبته قائلة: "يا ويلتاه، لم تتمكن يداي من غسل جثمانك، بل قامت بذلك الأيدي الغريبة التي كفنتك وقامت لك بالمراسم، ثم أحضروك إلّى في قارورة صغيرة ".
(3) الاختلاف في العادات بين اليهود والشعوب الأخرى: نتوصل من ذلك إلى نقطتي اختلاف بين عادات الدفن عند اليهود وعادات الدفن عند الشعوب الأخرى:
(أ) اعتاد اليونانيون أن يحرقوا جثث موتاهم، وهو أمر لا يوجد له نظير عند اليهود. ويكتب تاسيتوس (Tacitus )المؤرخ عن الاختلاف بين اليهود والرومان في ذلك،فلربما كان اليهود يدفنون موتاهم بدلًا من حرقهم بدافع من التقوى، ولعل ما حدث مع شاول وبنيه الثلاثة حيث "أخذوا جسد شاول وأجساد بنيه... وأحرقوها هناك" (1 صم 11:3113) كان لسبب طارئ وليس لعادة متبعة، حتى إن نفس الرجال دفنوا تلك العظام المحترقة:"وأخذوا عظامهم ودفنوها تحت الأثلة في ياببش" (1 صم 13:31). ثم عادوا حسب أمر داود الملك وأخذوها من أهل يابيش جلعاد "ودفنوا عظام شاول ويوناثان ابنه في أرض بنيامين في صيلع في قبر قيس أبيه" (2 صم 12:2114). وكان الناموس يسمح بحرق أجساد الموتى في حالتين: حالة الذي يموت تحت لعنة كما في حالة عخان بن كرمي وأسرته فقد أحرقوهم بعد رجمهم (يش 25:7). وحالة المذنب الذي يمسك في خطية الزنا (لا 14:20،9:21).
(ب) وكما لم يمارس اليهود عادة حرق الجثث التي كانت متبعة عند الإغريق، فإنهم أيضًا لم يمارسوا فن التحنيط الذي أتقنه قدماء المصريين، وتعتبر حالتا يعقوب ويوسف استثناء، لأنهما ماتا في مصر فحنطا كعادة المصريين. فعندما مات يعقوب كان يوسف ابنه هو الوزير المسئول، لذلك "أمر يوسف عبيده الأطباء أن يحنطوا أباه" (تك 2:50)، وعندما مات يوسف "حنطوه، ووضعوه في تابوت في مصر" (تك 26:50).