سيرة القديس بولكاربوس
1-من هو بوليكاربوس؟
نستطيع أن نتعرف على بوليكاربوس من خلال سيرة حياته وفهم شخصيته ومعرفة الظروف المحيطة به، ومن خلال رسائله التي جاءت وليدة احتياجات عملية رعوية، بلا غرض علمي دراسي.
وبالاختصار نتعرف عليه من رسالته ووقائع استشهاده، كيف كان وقوراً، وكيف ارتعب الجند من هيبته وقداسته ووداعته وبشاشة محياه، عندما أرادوا القبض عليه، إذ لم يخف عذاب الموت ولم يهاب الاستشهاد، بل واتسع قلبه بالحب نحو الغير يصلي لأجلهم في لحظات استشهاده.
كان من أهم الشخصيات الكنسية في ولاية آسيا الصغرى في النصف الأول من القرن الثاني، في الفترة التالية لعصر الرسل.
واستحق هذا القديس لقب "معلم آسيا، وأب المسيحيين، ومحطم الآلهة" بعد أن علم ورعى رعية الله، محطماً آلهة الأمم الباطلة.
لا نعرف شيئًا عن نشأته، فعندما حوكم، قال أن عمره 86 سنة، وإذا كانت هذه المحاكمة قد تمت حوالي عام 155 م، يكون بوليكارب قد ولد حوالي 69 ميلادية وربما قبل ذلك.
ومن المعروف أنه تعمد في صباه، وقد ذكر القديس إيريناؤس (انظر كتابنا "القديس ايريناؤس... ابو التقليد الكنسي" ضمن سلسة آباء الكنيسة ΙΧΘΥΣ)،، أن الرسول يوحنا الحبيب هو الذي أقامه أسقفاً على سميرنا، وهذا يعني أنه أقيم أسقفاً وهو في حوالي الثلاثين من عمره.
ويروي عنه كلارك C.P.S. أن سيدة تقية تدعى كاليستو Callisto اشترته بناء على رؤيا، وأودعته بيتها، إذ ظهر لها ملاك من الله في أحد الليالي وقال لها في حلم "كاليستو، استيقظي واذهبي إلى بوابة الأفسيين Ephesian وعندما تسيري قليلاً ستلتقين برجلين معهما ولد صغير يدعى بوليكاربوس. اسأليها أن كان هذا الولد للبيع وعندما يجيبانك بالإيجاب إدفعي لهما الثمن المطلوب، وخذي الصبي واحتفظي به عندك إنه طفل شرقي...".
أطاعت كاليستو الرؤيا فوجدت كل ما قيل لها عنه في الرؤيا، واشترت بوليكاربوس وأودعته منزلها، وعندما كبر جعلته مدبراً لمخازنها.
وحدث مرة أنها سافرت لأمر ما وسلمت مخازنها له، فتجمع حوله الأيتام والأرامل والتفَّ حوله المحتاجون وكل ذي حاجة، فكان بوليكاربوس يعطيهم بسخاء، فلما رجعت السيدة كاليستو أخبرها العبد زميله بما حدث وبما فعله بوليكاربوس، لكنها عندما استدعته وفتحت المخازن وجدتها مملوءة كما كانت.
فأمرت بعقاب العبد الذي وشى ببوليكاربوس، لكن للحال طلب منها بوليكاربوس أن تعفو عنه، معترفاً لها بحقيقة الأمر وبما حدث، وبأنه أفرغ جميع المخازن في عطائه للفقراء.
لذلك اندهشت كاليستو من هذه المعجزة حتى أنها تبنت بوليكاربوس وكتبت وصيتها بأن يرث كل ما تملكه بعد وفاتها أما هو فلم يشغله هذا الأمر، لأنه كان مسيحياً حقيقياً لم يتأثر بالغنى ومحبة المال.
ومن أعماله الطيبة التي أوردها عنه كلارك أنه يذهب إلى الطريق الذي يعود منه حاملي الحطب من الضواحي، فكان يختار أكبرهم سناً ويشتري منه الحطب بنفسه إلى الأرامل الفقراء.