* وبصدد الابتعاد عن العالم، قال البار إشعياء إني في أحد الأوقات كنت جالسًا بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبان من الإسكندرية ليمتحنوه قائلين قل لنا كيف نخلص؟ فأخذت أنا دفترًا وجلست بمعزل عنهم لأكتب ما يتحاورون به. أما الشيخ فإنه تنهد وقال كل واحد منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاص. فأجابوه كثيرًا ما أردنا الخلاص، إلا أن الأفكار الخبيثة لا تفارقنا. فماذا تعمل؟
* فأجابهم الشيخ إن كنتم رهبانا، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين؟! إن الذي قد هجر العالم ولبس الزى الرهباني وهو في وسط العالم، فهو لنفسه يخادع. فمن كانت هذه حالة، فقد صار تعبه باطلًا. لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياح الجسد، وحيث نياح الجسد لا يوجد خوف الله. لاسيما إن كان راهبًا ممن يدعون متوحدين، لأنه ما دُعي متوحدًا إلا لكي ينفرد ليله ونهاره مناجاة الله. فالراهب بين العلمانيين هذه تصرفاته.
* فلنقر نحن أيها الإخوة من العالم كما نقر من الحية، لأن الحية إذا نهشت فبالكاد تبرأ عضتها. كذلك نحن أيضًا إن شئنا أن نكون رهبانا فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الإخوة أن تكون لنا حرب واحدة بدلًا من قتالات كثيرة. قولوا لي يا إخوتي ويا آبائي في أي موضع أقتنى آباؤنا الفضائل، أفي العالم أم في البراري؟ إذن. كيف نقتضى الفضائل ونحن في العالم؟ لن نستطيع ذلك ما لم نجع وما لم نعطش، وما لم نساكن الوحوش...