2- التجربة الحزينة التي دفعته إلى الاسقيط، وبدأ اعتكافه الكبير:
* يقول ق. مكاريوس (لما كنت شابًا وعائشًا في قلايتي بريف مصر، جاءوا واختطفوني ورسموني قسًا على قرية. ولما لم أكن أهلًا لهذه الوظيفة، هربت إلى قرية بعيده حيث كان يتردد علىَ رجل بار يأخذ منى شغل يدي ويسد احتياجاتي.
* وفي يوم من الأيام حدث أن بتولًا في ذلك المكان سقطت في الخطيئة وحملت في بطنها. فلما أُشهرت، سُئلت عمن فعل معها هذا الفعل فقالت: "المتوحد...!؟". وسرعان ما خرجوا عليه وأخذوني باستهزاء مريع إلى الضيعة، علقوا في عنقي قدورًا مُسودة وآذان جراء مسخمة، وشهروا بي في كل شارع من شوارع الضيعة وجماعة الصبيان يجرون خلفي وهم يضربونني قائلين: "أن هذا الراهب أفسد عفت أبنتنا البتول وفضحها، أخزوه". وهكذا ضربوني ضربًا موجعًا، قربتُ بسببه من الموت، إلى أن جاءني أحد الشيوخ فقال لهم: "إلى متى هذه الإهانة؟ أما يكفيه كل ذلك خزيًا؟"، ولكن دون جدوى. أما الرجل البار الذي كان يعولني، فكان يتبعهم من بعيد وهو خازي الوجه، وكان يستهزئون به أيضًا قائلين: "أنظر ماذا فعل ذلك المتوحد الذي كنت تُحدثنا عنه بكل وقار " وكانوا يواصلون ضربي قائلين أنهم لن يسكتوا عن ذلك حتى يأتيهم بضامن يتكفل بالقيام بإطعامها وتربية ولدها. فقال الشيخ لخادمي: "اضمنه"، فضمنني. ومضيت إلى قلايتي ودفعت إليه الزنابيل التي كانت عندي قائلًا: "بعها وادفع ثمنها لـ"امرأتي" لتأكل بها". وخاطبتُ نفسي قائلًا: "كِد يا مقاره، ها قد صارت لك امرأة". فكنت اشتغل ليلًا ونهارًا لأقوم بإطعامها.
* فلما حان وقت ولادة الشقية، مكثت أيامًا كثيرة وهى معذبة وما استطاعت أن تلد. فقالوا لها: "ما هو هذا؟"، فقالت: "أن كل ما أصابني كان بسبب أنى ظلمت المتوحد واتهمته، وهو برئ، لأنه ما فعل بي شيئًا قط. لكن فلان الشاب هو الذي فعل بي هذا". فجاء خادمي إلى مسرورًا وقال: "أن تلك الشقية ما استطاعت أن تلد، حتى اعترفت قائلة أن المتوحد لا ذنب له في هذا الأمر مطلقًا، وقد كنت كاذبة في اتهامي له، وها هم أهل القرية كلهم عازمون على الحضور إليك، يريدون أن يتوبوا إليك ويسألوك الصفح والغفران".
* فلما سمعت أنا هذا الكلام من خادمي، أسرعت هاربًا إلى الإسقيط (وهذا هو السبب الذي لأجله جئت إلى جبل النطرون).