* وهكذا ترى أن المسألة ليست عسيرة فإننا إن لبثنا كما خلقنا صرنا في حالة الفضيلة أما إذا فكرنا في الأمور السالفة حسبنا أشرارًا ولذلك لو كان هذا الأمر لابد من الحصول عليه من الخارج لكان عسيرًا حقًا أما إن كان فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الدنسة، كما أننا قبلنا النفس وديعة فلنحفظها للرب لكي يدرك أن عمله هو بعينه كما خلقه.
* ولنحرص على أن لا يتملك علينا الغضب أو تغلبنا الشهوة لأنه مكتوب "إن غضب الإنسان لا يصنع بر الله. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا". وإذ نعيش هكذا فلنأخذ كل حذرنا، وكما هو مكتوب "لتحفظ قلوبنا بكل حرص، لأن لنا أعداء مروعين في غاية الدهاء -الأرواح الشريرة- ومصارعتنا معها كما قال الرسول، ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على هذه الظلمة مع أجناد الشر الروحية في السماويات". وما أكثر عددها في الهواء المحيط بنا وهى ليست بعيدة عنا. ويمكن ذكر الكثير عن طبيعتها والفوارق التي بينها على أن وصفا كهذا يترك لغيرنا ممن هم أقدر منا، أما في هذا الوقت فمن المحتم والضروري لنا أن نعرف فقط حيلها ضدنا.
* لذلك يجب أولًا أن نعرف هذا، أن الشياطين لم تخلق بالحالة التي نعنيها عندما ندعوها بذلك الاسم لأن الله لم يخلق شيئًا شريرًا، بل حتى هي خلقت صالحة، ولكنها إذ سقطة من الحكمة السماوية فإنها منذ ذاك الوقت تعيش في الأرض فسادًا، فهي قد أضلت الأمم بحبائلها المختلفة، ثم أنها بسبب حسدها لنا نحن المسيحيين تحرك كل الأشياء بحسب هوائها لصدنا عن دخول السماويات، لكي لا نصعد إلى المكان الذي منه سقطت. وهكذا تدعو الحاجة إلى الصلاة والنسك حتى - وإذا ما حصل المرء على موهبة تمييز الأرواح كانت له القدرة على معرفة مميزاتها، ليدرك أيها أقل شرًا وأيها أكثر. وما هي طبيعة جهاد كل منها وكيف يمكن دحض وطرح الفاسد منها خارجًا لأن خبثها وحيلها كثيرة ولقد عرف الرسول المغبوط أمثال هذه الأمور حينما قال "لأننا لا نجهل حيله" أما نحن فمهما قاسيناه على أيديها من التجارب وجب أن نصلح من شأن بعضنا بعضًا. ولذلك فإنني أتحدث كما إلى بنى عن أمور لدى البرهان عليها باختبارات عملية.