(3) داود البطل الطريد:
هذه الظروف القاسية التي حلّت بداود أظهرته بمظهر من فقد ثقته بالله أو كاد، وأغرقته في بحر من اليأس والقنوط. فهرب من شاول وجاء إلى نوب وكان إيمانه قد بلغ من الضعف أقصاه فلم ينطق بالصدق (1 صم 21: 1 - 9) ومن هناك أسرع إلى جتّ وطلب حماية أخيش ملكها عدو شاول (1 صم 21: 10) ولكن أقطاب الفلسطينيين لم يطمئنوا إلى وجود من هزمهم وأضاع هيبتهم في وسطهم فألقوا القبض عليه (1 صم 21: 14 وعنوان مز 56) غير أنه تظاهر بالجنون فطرده (قارن عنوان مز 34، ومن المرجح جدًا أن ابيمالك هو نفس اخيش أو أنه لقب لقّب به اخيش) ثم استعاد داود إيمانه بالله (مز 34) ورجع إلى يهوذا وأقام في مغارة عدلام (1 صم 22: 1) ولكنه اخذ أبويه ليقيما في موآب (1 صم 22: 3 و 4) واجتمعت إليه جماعة متعددة الأغراض متضاربة المشارب فمنهم من لا عمل له، ومنهم اليائس وغير هؤلاء ممن بلغ عددهم أربعمائة في البداية ثم ازدادوا إلى ستمائة. وكان ابياثار من ضمن هؤلاء - وهو الكاهن الذي بقي من بين كهنة نوب . جاء ومعه الافود. وكذلك النبي جاد الذي يرجح أن داود التقى به في الرامة (1 صم 22: 5 و 20 و 23: 6) ولذا توفرت لداود في ذلك الحين المعونة الدينية. ثم ذهب من عدلام إلى قعيلة وخلص البلدة من ايدي الفلسطينيين (1 صم 23: 1 - 5) وإذ تهيأ شاول لمهاجمته هرب إلى برية يهوذا (1 صم 23: 14 ومز 63) حيث طارده شاول بعد ما جاء إليه الزيفيون واخبروه أن داود مُختبىء عندهم غير ان شاول أضطر أن يتوقف عن المطاردة عندما علم أن الفلسطينيين قد اقتحموا البلاد (1 صم 23: 14 - 29) وبعدما رجع شاول من متابعة الفلسطينيين عاود مطاردته لداود فذهب إلى عين جدي إذ علم أن داود مختبىء هناك. ولكنه كاد يقع قي قبضة داود لولا أنه عفا عنه وأنقذ حياته (1 صم 24 ومز 57 و 142). ثم عمل على حماية أملاك قومه من الناهبين (1 صم 23: 1 و 25: 16 و 21 و 27: 8). وقد انتظر داود أن يرد له بعض جميله فيقدم الطعام لرجاله فانه لم يطلب ضريبته ولم يطلب مؤنًا له ولرجاله في دفاعهم عن تلك الممتلكات غير أن نابال رفض طلبه بسخرية واحتقار فاثار هذا غيظ داود ولم ينقذ نابال من أن يسفك دمه سوى حكمة زوجته (1 صم ص 25) التي أخذها داود زوجة له بعد موت نابال. ثم عاد إلى مكان بالقرب من زيف فاخبر الزيفيون شاول مرة ثانية عن مكانه فنهض لمطاردة شاول وأظهر داود مروءة وشهامة وعفا عنه بعد أن وقع في يده فأخذ رمحه وكوز الماء من عند رأسه وأيقظه وأعلمه أنه كان قد وقع في يده غير أنه عفا عنه. وإذ يئس داود من كفّ شاول عن مطاردته ترك يهوذا واستأذن اخيش في ان يحتل صقلغ وهي مدينة في طرف الصحراء الجنوبية حيث بقي هناك سنة وأربعة أشهر يحمي الفلسطينيين ويحارب قبائل الصحراء (1 صم ص 27) ولما ذهب الفلسطينيون إلى جبل جلبوع لمحاربة شاول لم يسمح اقطاب الفلسطينيين لداود أن يذهب معهم (1 صم 28: 1 و 2 وص 29) وعند عودته وجّد ان صقلغ قد اخربت. فتعقب الغزاة واستخلص منهم الاسلاب (1 صم ص 30) ولما سمع بما حدث في معركة جلبوع حزن لمصرع شاول ويوناثان ورثاهما رثاءً حارًا (2 صم ص 1).