الفصل الثالث
الثالوث الأقدس في الكنيسة والتفكير اللاهوتي
تمهيد
"باسم الأب والابن والروح القدس" صلاة صغيرة تعلمناها من السيد المسيح ونرددها مع الكنيسة في أي مكان كنّا أو أي عمل عملناه أو بداية صلواتنا. هنالك قول يقوله الناس أثناء الحديث لإقناع شخص متصلب في آرائه ولمحاولة تبسيط الأمور. يقول هذا القول: "الله لم يروه لكن بالعقل عرفوه". فقد عرفناه بكل ما يميزه عن سواه وعن جميع الآلهة التي أوجدها الإنسان في حياته. فالله سرمدي غير محدود، غير متغير في وجوده وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه. فإيماننا المسيحي يحوي "أسراراً"، خصوصا فيما يتعلق بالله لأنه غير متناه في ذاته وكماله. عقلنا محدود جداً. فهل من المستطاع أن تستوعب علبة صغيرة قصراً شامخا؟ وسر الثالوث الأقدس" هو من الأسرار الأكثر تحديا لنا أمام العالم غير المسيحي، وأيضا في العالم المسيحي. فالعديد يتساءل عن هذا السر العظيم.
إن إيماننا بسر الثالوث الأقدس ينشأ معنا من خلال البيت والتعليم المسيحي خلال المرحلة الدراسية. ولكن ما أن نتصل بالمجتمع نتواجه بالعديد من الأسئلة، من أنفسنا أو من غيرنا، من هذه الأسئلة لماذا هنالك التثليث في إيماننا وليس الوحدانية؟ لقد ضعف الأيمان بشكل عام في هذا العصر، عصر السرعة والتقدم. عصر الكومبيوتر و"الستلايت". فأين الإيمان من هذا كله؟ فأصبح الإنسان بعيدا كل البعد عن كل ما يمت بصلة إلى الإيمان، وخاصة الإيمان بالثالوث الأقدس واستيعابه في كلياتنا. سنحاول في هذا الفصل أن نتقرب من هذا السر، سر الوحي الإلهي في ثلاثة أقانيم متساوين ومتميزين. سنرى كيف أن السيد المسيح قد كشقه لنا من خلال أعماله وأقواله وحياته. ثم كيف أن الكنيسة واجهت التحديات للدفاع عن هذا الإيمان. ثم علاقة الإنسان المعاصر مع الثالوث الأقدس في عصر الشرائح الدقيقة والمعجزات الطبية.
"إني أوليت كل سلطان في السماء والأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم" (متى 28: 18-20).
كلمات وداع وتعزية قالها السيد المسيح لتلاميذه قبل أن يصعد إلى السماء ليجلس عن يمين الله. كلمات جميلة تظهر لنا الثالوث الأقدس من فم شخص "مسؤول". واعتماد السيد المسيح في نهر الأردن هو من أجمل الصور الحركية التي تظهر الثالوث الأقدس. فالابن يعتمد والآب يتكلم من السماء والروح القدس يستقر على الابن. صورة جميلة تنبض بالحياة حدثت أمام المئات من الذين جاءوا للاعتماد وللتوبة عن يد يوحنا المعمدان. واعتلن ملء هذه الصورة بعد صعود السيد المسيح إلى السماء عندما حلّ الروح على التلاميذ وهم مجتمعون في علية صهيون. ومنذ ذلك الوقت تعمد الكنيسة "باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28: 19). هنالك تساؤل: هل ظهر الثالوث الأقدس واضحا في العهد القديم مثل العهد الجديد؟.