ثامنًا: غريغوريوس أسقفًا علي القسطنطينية:
* (بخلاف القانون) في أوائل سنة 379. وفي ثيابه المتواضعة وصحته المتدهورة ونسكه الشديد البادي علي وجهه، ظهر في القسطنطينية لجميع من تبقى من المؤمنين في هيكل صغير بالمدينة، وفي دار أحد أصدقائه أطلق عليه أسم "الأناسطاسيا" أي كنيسة القيامة، وتلقى في الوقت نفسه من مقاومة واستهزاء الأريوسيين، حتى أنهم أغاروا وقت صلاة الليل في عيد الفصح سنة 379 علي "الأناسطاسيا" معبد القيامة الصغير، واعتدوا على المصلين، وأصابت بعض الحجارة القديس غريغوريوس نفسه فأبي أن يشكو أحدًا، بالرغم من إلحاح الكثيرين من خواصه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فكان أن رفع الأريوسين أمره إلى المحكمة واتهموه بالقتل.
* خرج القديس غريغوريوس برئ مما أتهم به، ولم يكف الأريوسيون عن محاولات إيذائه وقتله. أما هو فكان يصفح ويعفو ويقول: أنه لم يأتي في غفوة أمر غريب.
* وبدأ القديس غريغوريوس بالرغم من كل هذا يدأب علي العمل والتعليم وأخذ الأرثوذكسيون بالرغم من المصاعب التي لحقتهم ينهضون ويتقوى إيمانهم بما يسمعونه من مواعظ القديس غريغوريوس. وقد ألقى في هذه الحقبة " عظاته اللاهوتية الخمس " التي تكون أكمل وأسمى وأتقن مجموعة من تعاليمه عن الله وعن سر الثالوث. وقد لقب لدى كنائسنا الشرقية بسبب هذه العظات الخمس ب" اللاهوتي " وبلغ من الشهرة مبلغًا بعيدًا حتى أن القديس جيروم (أيرونيموس) وقد كان متضلعًا في الكتاب المقدس في إنطاكية، جاء خصيصًا إلي سوريا إلي القسطنطينية لكي يتعلم وهو في الخمسين من عمره، بالقرب من القديس غريغوريوس، وأقام زمنًا طويلًا في المدينة، وكان يسره أن يقول: "إن القديس غريغوريوس النزينزي كان دليله ومعلمه في معرفة الكتاب المقدس".
* ترك البطريركية بناء على قرار المجمع وتوجه القديس غريغوريوس بعد ذلك إلى نزينزا أولًا، حيث كانت ومازالت بلا أسقف، وظل هناك يعمل على أن استطاع بعد جهد كبير أن يختار لها من يصلح أن يكون أسقفًا، ثم غادر إلى أريانزا حيث كانت مزارع عائلته، ليقضى فيها بقية سنى حياته في الوحدة والممارسات النسكية والأعمال الأدبية، متابعًا بمراسلاته أحوال الكنيسة في سائر المواضع مبديًا اهتمامًا نشطًا بخير الناس مشاركًا لهم في آلامهم.
* وفي هذه الفترة مضى يؤلف القصائد ويصف حياته وهو يعيش متوحدًا وسط الصخور وبين الوحوش، حافي القدمين، قانعًا بثوب بالٍ وحيد، مفترشًا الأرض وملتحفًا المسوح الخشنة.