* لقد أعطى أريوس اهتمامًا زائدًا لموضوع الخلق واضعًا أمامه مدافعي القرن الثاني الميلادي كنماذج له، والمنارخيون المتشددون وبالأكثر أوريجينوس. فليس من السهل تحديد أي مدى استطاع المدافعون عن يميزوا بين مراتب الكيان الإلهي والكشف الإلهي، لكن من المؤكد على أي حال أنهم ربطوا الله (الكلمة) بعمل الخلق بطريقة لا يمكن فصلها.
* فلقد ربط كل من أريوس وأوريجينوس وبطريقة حاسمة ميلاد الابن بصيرورة العالم وإن لم يبنوا على هذا الأساس مفهومهم عن كل من ميلاد الابن، وصيرورة العالم.
* فأوريجينوس وهو يتبع الخط اللاهوتي المسيحي لم يستطع أن يفكر في الله بدون أن ينتقل حالًا إلى فكرة الخلق. ولكنه أخطأ عندما أراد أن يحدد الأمور تحديدًا دقيقًا حينما ركز بشدة على تطابق فكرة الله مع كونه الخالق، وذلك لمواجهة الآراء الغنوسية التي نادت بالفصل التام بين الفكرتين. وبناء على مبدأ أن الخالق لابد وأن يكون هو الله، استنتج أن الله لابد وأن يكون خالقًا. غير أن هذا الاعتقاد قاد إلى أن الله لابد وأن يكون خاضعًا لضرورة ما، بمعنى أن الله كان دائمًا خالق وأن الخليقة هي نتاج أزلي له وانعكاس طبيعي له بشكل ما. لكن إن كانت الخليقة أزلية - وطبيعي أن الكلمة أيضًا أزلي - إذن فكيان الكلمة يرتبط بالخليقة. ولأن أوريجينوس كان يدرك بالتأكيد الخطر المحدق باللاهوت المسيحي من جراء التعليم بأن العالم هو أزلي مثل الله، فقد نسب أزلية العالم ليس إلى طبيعة الله بل إلى إرادته. غير أن أوريجينوس في هذا الشأن، وفي عثرة ثانية له وبسبب العلاقة النظامية القوية (لله) الكلمة بالعالم حسب ما علم، فقد اعتبر أن الكلمة هو أيضًا مولود من الآب حسب الإرادة. ورفض بذلك الرأي بأن الكلمة مولود من الآب حسب الطبيعة وكأنه انسلق وراء تعاليم الغنوسيين عن الله، بدون أن يعلم أنه في تعليمه هذا يجرد الابن من ألوهيته. حيث أن ولادة الابن من الآب بحسب الإرادة لا تعنى أنه من نفس جوهره لكن فقط حسب النعمة..
* إن فكرة أريوس، التي لا تهتم إلا بإيضاح قدرات الله الخلاقة لها أساس من "التعاليم عن العالم" (كوزمولوجيا) وبدلًا من أن يرفع الخليقة إلى الأزلية كما فعل أوريجينوس، أنزل الكلمة إلى دائرة الزمن. فحقيقة أنه قد وضع وجود الكلمة " قبل الأزمنة وقبل الدهور"، انتفت باستخدامه كل تلك التعبيرات والتي أدت إلى وصف الابن على أنه مخلوق. وبالتالي فإن العبارة " قبل الأزمنة وقبل الدهور " هي مجرد تعبير طالما أن الابن في صيرورته وخلقته حدث فيه مثل هذه الصيرورة. وهذه الصيرورة يمكن أن تفهم داخل حدود الزمن فقط والفرق الوحيد في هذه الحالة هو أن خلق (الكلمة) حدث فقط قبل صيرورة باقي الكائنات الأخرى ومن أجل خلقة باقي الكائنات بصفته وسيط ضروري للخلق.
* وهكذا فحسب اعتقاد أريوس، فإن عدم المخلوقية الفريدة قد حُفظت بالنسبة لله الآب فقط. فالله الآب وحده هو غير المخلوق، غير المبتدئ الأزلي. وبهذا وضع أريوس خطًا فاصلًا لا بين الله والمخلوقات، بل بين الله وبين كلمته مع باقي المخلوقات فالكلمة كمخلوق لا يشابه الآب، فهو متحول ومتغير بالرغم من أن ألوهيته أصيلة والفرق بين خط التفكير الأريوسي هذا والخط الأرثوذكسي يكمن في أن هذا الخط الأخير يرسم لنا صورة أعمق وأشمل عن الله فالله هو بالتأكيد خالق، لكنه ليس فقط هذا، لأنه كائن خارج طاقاته الخلاقة هذه، فالشيء الآخر الذي يكون في كيان الله هو الطبيعة، فالله بحسب الخط الأرثوذكسي، هو طبيعة وإرادة في نفس الوقت. والأولى تفوق الثانية "إن في الله شيء أعلى من مشيئته، فهو معًا كيان وإرادة وعندما نستخدم الاصطلاحات اللاهوتية اللاحقة فهو جوهر وطاقة، ونحن هنا بصدد تمييز أساسي وليس اسمي في كيان الله. هذا التميز لم يستطع أن يدركه لا الفلاسفة اليونانيين ولا المدافعين ولا أوريجينوس ولا أريوس.
* ويقابل هذين النوعين من الكيان الإلهي: الجوهر، والإرادة، تميز مماثل، ففي الجوهر هناك تمايز في الكيان أو بعبارة أكثر دقة، تمايز الأقانيم الثلاثة التي لها نفس الجوهر الإله من الداخل، ومن ناحية أخرى يوجد في الإيرادة تمايز في العلاقات الخلاقة أي التي تتكشف لنا من الخارج (أي خارج الجوهر الإلهي).
* فما يناسب الجوهر الإلهي من الداخل هو الولادة، وما يناسب الجوهر الإلهي من الخارج هو الخلق.
* ومن ثم فإن الله هو في نفس الوقت أب وخالق. فينما الآب هو أب طبيعيًا أي يُحسب الضرورة الطبيعية، فإنه خالق حسب الإرادة الحرة. وبالتالي كان من الممكن الا يكون خالقًا وبالتالي كان يكمن أن العالم المخلوق لا يوجد بالمرة.
* فالخط الفاصل في المسيحية، وفي اللاهوت الأرثوذكسي هو بين الله والمخلوقات، هو بين غير المخلوق والمخلوق.
فإن أصل كلمة لوغوس هو أمر خاص بالطبيعة أو الجوهر.
* لقد "اتخذ الله قرارًا" بشأن المخلوقات التي كانت في وقت ما غير موجود حيث إنها هي نتاج لإرادته، أما كلمته المولود طبيعيًا من ذاته فلم يجرى بشأنه طبعًا أي تفكير مسبق. فوجود الكلمة لا يرتبط بالخليقة بشكل مباشر فإن كان الكلمة خالقًا كما هو في الحقيقة فهذا لا يرجع إلى أنه اُستخدم كأداة ضرورية للخلق، بل لأن الكلمة هو الصورة غير المتغيرة لله. ومن ناحية أخرى فإن الله لا يحتاج إلى وسيط أو كما يقول أثناسيوس "لأن كلمة الله لم يصر من اجلنا بل بالحرى نحن قد صرنا من أجله وبه خُلقت كل الأشياء. وليس بسبب ضعفنا نحن كان هو قويًا وصائرًا من الآب وحده. لكي يخلقنا بواسطته كأداة! حاشا! فالأمر ليس كذلك. لأنه حتى لو لم يستحسن الله أن يخلق المخلوقات. فالكلمة مع ذلك كان عند الله وكان الآب فيه وفي نفس الوقت كان من المستحيل أن تكون المخلوقات بغير الكلمة لأنها قد صارت به.
* فالكلمة إذن، وهو قد أتى (من الآب) بهذه الطريقة فمن المستحيل أن يتطابق مع الخليقة بل تفصله عن الخليقة نفس الهوة التي تفصل بين الآب والخليقة. فالكلمة مع أنه حاضر في الخليقة إلا أن ذلك بحسب طاقاته فقط، وهو يحفظ الخليقة بقدرته هذه حتى لا تعود إلى العدم. أما بحسب جوهره فهو خارج الخليقة ويرتفع عنها.
* فالكلمة المولود من الآب، وغير المخلوق، يتمتع بكل الخصائص الطبيعية لغير المبتدئ، لغير المتغير، لغير المائت، لغير الفاني. أنه أيضًا من نفس الجوهر الواحد معه. وبالتالي فليس من الممكن أن يوجد أكثر من جوهر واحد غير مخلوق، بمعنى أنه لا يمكن أن توجد جواهر عديدة غير مخلوقة. فالجوهر غير المخلوق هو واحد.
* وبحسب إحدى البديهيات الأساسية للفلسفة اليونانية، فالتعدد في الكيان (الجوهر) يعنى الارتباط بالزمن كما يعنى التغير، بينما الوحدانية تعنى الأزلية وعدم التغير (والثبات). فكون أن الروح القدس هو فريد فهو لا يحسب ضمن قائمة الموجودات المتشابهة. فعدم وجود أرواح كثيرة مقدسة، يدل على أنه (الروح القدس) غير مخلوق وبالتالي فهو من نفس جوهر الآب، كما أن الابن هو أيضًا بالطبع كذلك.