النفي الثالث إلى البرية:
* تعتبر الفترة من (24 بابة 21 أكتوبر سنة 346 م) حتى (13 أمشير - 8 فبراير سنة 356 م) وهى حوالي تسع سنوات وثلاثة أشهر وتسعة عشر يومًا - تعتبر أطول فترة سلام قضاها أثناسيوس على كرسي مارمرقس بدون اضطرابات أو قلاقل وكان وقتها قد بلغ الثامنة والأربعين من عمرة المبارك وكان الإكليروس وكان الشعب ينظرون إليه كأحد الشهداء المعترفين لما لاقاه من اضطهاد وظلم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وانتهز أثناسيوس هذه الفرصة فقام برسامة بعض الأساقفة وحرر رسالة دورية لجميع الكنائس المسيحية كما دون الكثير من الرسائل العقائدية القيمة. لذلك نستطيع أن نعتبر كل هذه المدة أي العشر سنوات كفترة عمل هيأها الله للعمل والبناء والتعليم والرعاية.
* وعاد الأريوسيون لمناصبة العداء مرة أخرى لأثناسيوس منتهزين فرصة قتل قسطنطوس قيصر روما (إمبراطور الغرب وصديق أثناسيوس) في انقلاب عسكري عند سفح أحد الجبال (كان خبر موته صدمة أليمة لأثناسيوس لدرجة أنه لم يحتمل الخبر عند حضور مبعوثي قسطنطيس فبكى) وإنفراد قسطنطيوس الأريوسي بالحكم فأوغروا صدر الإمبراطور ضد أثناسيوس وأخذوا يكيلون لأثناسيوس الاتهامات حتى كانت القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون عندما افتتح أثناسيوس كنيسة السيزاريوم يوم عيد القيامة بالصلاة فيها نظرًا لاتساعها للشعب الذي نما كثيرًا ولا تسعه كنيسة أخرى (كانت وقتئذ توجد تسعة كنائس أخرى) وذلك عوضًا عن الانتظار إلى أن يفتتحها الإمبراطور نفسه فجعلوا منها جريمة عيب في الذات الملكية فأمر الإمبراطور نتيجة لذلك بعقد مجمع من الأساقفة الأريوسيين في مدينة أرل وأصدروا حكمًا بنفي أثناسيوس وعقد مجمع أخر في مدينة ميلان حيث صادق على قرار النفي السابق.
* وذهب والى مصر سريانوس إلى البابا أثناسيوس يخبره بحكم النفي شفويًا. إلا أن أثناسيوس رفض هذا الأمر ما لم يكن هناك أمر رسمي من الإمبراطور كتابيًا وعندئذ اغتاظ الوالي جدًا وعاد بعد ثلاثة أسابيع على رأس خمسة ألاف جندي مسلحين حيث حاصروا كنيسة السيدة العذراء التي بناها البابا ثاؤناس وكان البابا يصلى صلاة الغروب مع شعبه وإذ بقائد هؤلاء الجنود يدفع الأبواب بقوة ويدخل جنوده ومعهم بعض المشاغبين إلى داخل الكنيسة.
ويصف لنا أثناسيوس ما حدث في هذه الواقعة فيقول:
* كنت جالسًا على الكرسي المرقسي، وأمرت الشماس أن يتلوا المزمور 136 وكان الشعب يجاوب قائلًا: "لأن إلى الأبد رحمته" ولما حان وقت الانصراف طرق الجنود جميع الأبواب طرقًا عنيفًا! واندفع العساكر في الكنيسة كالسيل الجارف وهرعوا قاصدين أياى. أما أنا فوقفت وأمرت الشعب بالفرار. ولكن بعضهم اعترض العساكر في طريقهم فذبحهم الجنود وداسوهم تحت أقدامهم عندما كانوا يرقدون نحو ردهة الكنيسة للقبض على الفارين!! ولما انصرف أكثر الشعب جاءا الرهبان مع الذين تخلفوا من القسوس وحملوني خارجًا!!
* وغادر الإسكندرية متوجهًا إلى البرية باختياره حيث بقى مع الآباء الرهبان ما يقرب من ستة سنوات تقابل فيها مع الأنبا أنطونيوس كوكب البرية وكم كانت سعادة البابا بوجوده مع الرهبان وعلى رأسهم الأنبا أنطونيوس الذي كانت بينهما صداقة قوية جد
* وهكذا استمر أثناسيوس في إدارة كنيسته من البرية ولم يتوان قط عن تشجيع شعبه بالرسائل لكي يثبت على الإيمان المستقيم. بالحقيقة كان أثناسيوس كما يلقبه البعض "بالبطريرك غير المرئي".
* استغل الأريوسيون فترة ابتعاد أثناسيوس وعينوا رجلًا كبادوكيًا يدعى جورجيوس بطريركًا بدلًا منه على الإسكندرية فرفضه الشعب الأرثوذكسي فأمعن جورجيوس في اضطهاد الشعب بكافة الطرق والوسائل وارتكب أفظع الجرائم كما سجن أثنى عشر أسقفًا لعدم خضوعهم له إلا أن الوثنيين الذين اضطهدهم جورجيوس قاموا بقتله واحرقوا جثته والقوها في البحر!!
* ولم يستمر الحال هكذا فمات الإمبراطور قسطنطيوس وتملك بدلًا منه يوليانوس الجاحد (كان مسيحيًا ولكن أنكرها منذ شبابه خفية وعاد إلى الوثنية) وكان يريد أن يجذب قلوب الشعب فطلب إرجاع أثناسيوس وهكذا عاد القديس أثناسيوس مرة أخرى إلى كرسيه بالإسكندرية.
