الخريستولوجي:
أ - علاقة الآب بالابن:
عن علاقة الآب بالابن يقول إيريناؤس بوضوح:
* " إذا سألنا أحد كيف وُلد الابن من الآب؟ نجيبه بأن أحدًا لا يفهم ذلك الميلاد أو الدعوة أو أيًا كان الاسم الذي يمكن أن نصف به ميلاده، الذي هو في الحقيقة لا يوصف على الإطلاق.. لكن فقط نعرف أن الآب هو الذي يلد والابن هو الذي وُلد".
* ونجد في إيريناؤس أول محاولة لفهم العلاقة بين الآب والابن بطريقة منهجية نظرية: "الآب عُرف بالابن الذي هو في الآب والذي الآب فيه".
* وكما دافع قديسنا أسقف ليون عن أن الآب هو خالق العالم ضد الغنوسيين، كذلك علم بأن هناك مسيح واحد، رغم أننا نلقبه بأسماء عديدة، لذلك المسيح هو نفسه ابن الله، وهو نفسه اللوغوس الكلمة، وهو نفسه يسوع المسيح الإله المتجسد، هو نفسه مخلصنا وربنا.
ب - الانجماع الكلى في المسيح:
* إن محور خريستولوجيا إيريناؤس بل وكل لاهوته هو "الانجماع الكلى في المسيح" وقد استقى هذا الفكر من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس حيث يوضح أن غاية الله النهائية من الخليقة كلها التي سيحققها في ملء الأزمنة هي " أن يجمع كل شيء في المسيح" (أف 7:1) ويقول إيريناؤس: "في ملء الزمان صار (الكلمة) إنسانًا منظورًا وملموسًا لكي يجمع كل شيء في نفسه ويحتوى كل شيء ويبيد الموت ويظهر الحياة ويعيد الوحدة بين الله والإنسان".
* وهذه الكلمة اليونانية التي استخدمها القديس بولس الرسول ثم القديس إيريناؤس تتركب من البادئة اليونانية،فهي تتضمن معنى "جمع الأطراف في رأس واحد" أو "تلخيص وتركيز الأشياء المتعددة في مجمل واحد" أو "تكميل الأشياء الناقصة".
وما يقصده إيريناؤس من الانجماع الكلى هو انجماع الكل في المسيح، إذ أن الله يُصلح الخطة الإلهية الأولى لخلاص الإنسان والتي أفسدها سقوط أدم، ويجمع الله عمله كله منذ البدء ويجدده ويستعيده ليراه ويعرفه في ابنه المتجسد الذي صار لنا بهذه الطريقة آدم ثان ولأن الجنس البشرى كله قد سقط بسقوط آدم، لذا كان لابد أن يصير الله إنسانًا لكي يجدد الجنس البشرى: "الأمور التي فنت كان لها جسد ودم لأن الرب أخذ ترابًا من الأرض وصنع الإنسان، ومن أجله تم كل تدبير مجيء الرب لذا صار (الرب) جسدًا ودمًا جامعًا ثانية في نفسه، ليس عملًا آخر بل نفس عمل يدي الآب الأصلي طالبًا ما قد هلك"
لكن بإنجماع الإنسان الأول هذا، ليس فقط آدم شخصيًا بل الجنس البشرى كله اُستعيد وتجدد: "عندما تجسد وتأنس، جمع في نفسه تاريخ الإنسان الطويل جامعًا ومعطيًا لنا الخلاص كي ننال ثانية في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم، أي صورة وشبه الله".
* فما يقصده إيريناؤس من "الإنجماع الكلى" هو إنجماع الخليقة مع الخالق نفسه في المسيح الذي يحقق في نفسه ملء الوجود الكلى للخالق والخليقة معًا: "فإن المسيح كما قلنا قد وحد الإنسان مع الله... فقد كان لائقًا أن الوسيط بين الله والناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما يعيد الألفة والتوافق بينهما ويقدم الإنسان إلى الله ويُظهر الله للإنسان... فإنه من أجل ذلك قد جاء مجتازًا في جميع الأعمار لكي يعيد للجميع الشركة مع الله".
* فغاية التجسد النهائية هي إعادة الشركة بين الله والبشرية وهذا هو ما لم يفهمه الهراطقة: "إن البعض لا يقبلون عطية التبني ويحتقرون الميلاد البتولي الذي به تجسد كلمة الله، وهم بذلك يحرمون الإنسان من الارتقاء نحو الله، ويصيرون غير شاكرين لكلمة الله الذي تجسد من أجلهم، فإنه لهذه الغاية صار ابن الله ابنًا للإنسان: لكي يتحد الإنسان بالكلمة ويقبل التبني فيصير بذلك ابنًا لله".
* وهكذا جدد المسيح كل شيء بهذا الإنجماع الكلى فيه: "ما الذي أعطاه الرب عند مجيئه؟ اعلم أنه أعطى كل الجدة بأن أعطى نفسه، هو الذي قيلت عن النبوات، لأن هذا قد أُعلن قبلًا، إن جدة ستأتي وتعطى حياة للإنسان".
* ذلك أن أفعال المسيح الخلاصية التي أتاها من أجل خلاصنا إنما تبلغ إلينا من خلال هذه الحقيقة الإلهية، أي تجميع البشرية كلها في جسد المسيح، لأنه يحوى في ذاته الكل ومنه ينبع الكل ويتجدد.