21. صلاة حل الزنار
في الطقس القبطي غالبًا ما يقوم الكاهن بنفسه بمساعدة المُعمد في ارتداء الثوب الأبيض، كما يربط زنارًا حول صدره، ويضع على رأسه إكليلًا [459]. الثوب الأبيض يشير إلى الطبيعة الجديدة التي وُهبت له تحمل نقاوة ملائكية، والزنار يشير إلى ارتباط المعمد بالكنيسة كعضوٍ حيٍّ فيها، والإكليل علامة الغلبة والنصرة على الشيطان والتمتع بالأمجاد الإلهية.
وفي طقس الكنيسة الأولى، إذ يتناول المعمدون حديثًا -غالبًا في عيد الفصح المجيد- يبقون إلى اليوم الثامن في محيط الكنيسة بملابسهم البيضاء، وكأنه أسبوع الفرح بميلادهم الروحي الجديد، يسمى "أسبوع الثياب البيضاء".
هذا الطقس لم يتوقف في الكنيسة القبطية في بعض بلاد الصعيد، وإن كان قد أُهمل تمامًا في البلاد الكبرى خاصة في الوجه البحري. وقد احتفظت المخطوطات القديمة وكتب الطقس الحديثة بطقس يمارس في اليوم الثامن من العماد المقدس، حيث تصلي ليتورجية تسمى "حل الزنار". في هذه الليتورجية تقدم الكنيسة ذبيحة شكر لله الذي وهب المعمد هذه النعمة العظيمة، وتطلب له ثباتًا ونموًا في النعم الإلهية. بعد الصلوات والتسابيح يستحم المعمد في المياه المُصلى عليها، وفيها يُغسل ثوبه الأبيض والزنار الذي كان مربوطًا به، ثم تلقى المياه في بحر أو نهر أو حقل طاهر.
اجتذبني هذا الطقس الجميل والبسيط في نفس الوقت، ورأيت أن أقدم مقارنة بينه وبين "طقس الحميم" في اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسديًا، الذي وإن كنا نمارسه أحيانًا، لكن القراءات الواردة في الكتب الطقسية الحديثة تختلف عما وردت ببعض المخطوطات. وفي مقارنتي سأعتمد على مخطوط بدير القديس أنبا أنطونيوس (طقس 7)، نُسخ في 13 توت عام 1372ش (1655م) نقلًا عن مخطوط بمكتبة كنيسة العذراء حارة زويلة تاريخه سنة 1096ش (1379م).
أ. في اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسديًا تقدم الكنيسة ليتورجية "حميم الطفل"، فيه تشكر الله من أجل المولود الجديد ويشترك الكاهن مع الوالدين في تسمية الطفل. وكأن الكنيسة تمارس أمومتها في حياة الإنسان منذ نعومة أظفاره حتى قبل نواله سرّ المعمودية، تشكر الله من أجل خلقته وتهتم حتى باختيار الاسم اللائق به. وفي اليوم الثامن من عماده تقدم ذبيحة شكر لله من أجل ميلاده الروحي، ومن أجل دخوله في العضوية الكنسية بكونه قد صار ابنًا لله وعضوًا في جسد السيد المسيح السري.
ب. في الطقس الأول يُقرأ البولس بعد صلاة الشكر دون الصلاة بمزمور التوبة (مز 50 "51")، أما في الطقس الثاني فيصلى هذا المزمور. ففي صلاة الحميم تقدم الكنيسة الليتورجية كذبيحة تسبيح وفرح بميلاده تنتظر دخوله إلى مياه المعمودية، أما في ليتورجية حل الزنار، فانه إذ دخل مياه المعمودية ونال الثوب الأبيض الداخلي يلتزم أن يحافظ على هذه النقاوة خلال أعمال التوبة غير المنقطعة.
ج. في ليتورجية الحميم تقرأ كلمات الرسول بولس عن ختان الجسد (في 1:3-9) الذي كان يتم في اليوم الثامن في العهد القديم، موضحًا إنه يليق بنا ألا نتكل على الجسد وبرّ الناموس بل على الإيمان بالمسيح يسوع برّنا الحقيقي. فإن كنا قد ولدنا حسب الجسد لكننا في حاجة إلى ولادة روحية جديدة لكي "نعبد الله بالروح ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد". أما في الطقس الثاني فتُقرأ كلمات الرسول عن تمتع الشعب بعبور البحر الاحمر تحت السحابة وتناولهم طعامًا واحدًا روحيًا وشرابًا من الصخرة التي هي المسيح (1 كو 10: 1-4). وكأن الكنيسة تعلن للمعمد أنه قد نال ما كان رجال العهد القديم يتمتعون بظلاله خلال الرموز. إنه لم يدخل البحر الاحمر، وإنما دخل المياه المقدسة الشافية، ولم يتحرر من عبودية فرعون، بل من سلطان إبليس، ولم يدخل تحت سحابة بل سكن الروح القدس فيه، ولم يأكل منًا، بل تمتع بالمسيح يسوع نفسه المن السماوي!
د. في الطقس الأول تطلب الكنيسة من الوالدين أن يسبحا الله على عطيته لهما ويقدما النذور الروحية والمحرقات والصلوات التي تسند طفلهما حتى ينمو في النعمة والقامة: "اذبح لله ذبيحة التسبيح، وأُوفِ للعلي نذورك. ادخل إلى بيتك بالمحرقات، واُقدم لك الصلوات التي نطقت بها شفتاي". وفي الطقس الثاني يطوبّ المزمور المُعمد من أجل عطية المغفرة التي نالها فيحافظ عليها: "طوباهم الذين غفرت لهم آثامهم، والذين سُترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لم يحسب له الرب خطيئة ولا وجد في فمه غش".
ه. في طقس الحميم يُقرأ فصل الإنجيل الخاص بختان السيد المسيح ودخوله الهيكل محمولًا على يديّ سمعان الشيخ، إذ انفتحت عيناه وأدرك الخلاص الذي قدمه الله لجميع الأمم (لو 2: 21-35). وكأن الكنيسة تؤكد للوالدين ضرورة ختان طفلهما روحيًا في المسيح يسوع، لكي يصير محمولًا على الأذرع الإلهية يتمتع بالسكنى في هيكل الرب، ويكون سرّ بركة للكثيرين. أما في طقس حل الزنار فيقرأ الإنجيل الخاص بمعمودية يوحنا (مت 3: 1-6) الذي هيّأ الطريق بالتوبة للرب، لكي يبقى المُعمد في حالة توبة مستمرة لكي لا يفقد ثمرة المعمودية.
و. في صلاة الحميم يطلب الكاهن من الله أن يبارك الطفل، وأن يهيئه للعماد المقدس:
[نسأل ونتضرع إلى صلاحك عن عبدك (فلان بن فلان).
باركه بكل البركات السمائية، وبارك أيضًا ميلاده،
وليطل عمره كنعمتك، حتى ينمو ويكثر ثلاثين وستين ومائة،
وليفرح به أبواه ويسرا بميلاده مثل زكريا وأليصابات اللذين وهبت لهما يوحنا النبي.
وفي الزمن المحدَّد فليستحق حميم الميلاد الجديد لغفران خطاياه.
أعده هيكلًا لروحك القدوس...]
أما في صلاة حّل الزنار فيشكر الله من أجل سرّ الاستنارة الذي ناله المُعمد، طالبًا أن يحفظه إلى الانقضاء في الإيمان المستقيم، ويؤهله للحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا:
[أيها السيد الرب إلهنا، مانح السلام والبركة...
الذي باركنا وقدسنا وأضاء علينا بنور لاهوته،
الذي جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذي من فوق، غير الموصوف، الذي لمسيحك يسوع مخلصنا.
أنر عليهم بنور البركة، طهرهم، باركهم.
جدّدهم بنعمتك من جهة المعمودية التي نالوها بقوة روحك القدوس المحيي...
باركهم ببركتك،
ثبتهم في إيمانك الأرثوذكسي إلى الانقضاء.
ائت بهم إلى حد القامة والبلوغ.
وليكونوا محروسين بين ملائكة صالحين إلى الانقضاء.
املأهم من المعرفة ومن كل فهم...
اجعلهم مستحقين الحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا..."
ز. في طقس الحميم يُرنم المزموران 148-149، ويشترك الطقسان في الصلاة الربانية وقراءة التحليل ورشم المياه ثم الترنم بالمزمور 150 والختام بالبركة بعد حميم الطفل أو المعمد.
أما في الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية فيقدم في اليوم الثامن من العماد طقس بسيط جدًا في ختامه يحل الكاهن الزنار والثوب الأبيض ويربط أطرافهما ويبلهما بماء نقي ويرش المُعمد وهو يقول:
[قد تبررت، قد استنرت، قد تقدست، قد اغتسلت، باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا.]
ثم يتناول اسفنجة جديدة ويغمسها بالماء ويمسح بها أعضاء المعمد الممسوحة بالميرون المقدس ويقول: [قد اصطبغت، قد استنرت، قد تميزت، قد تقدست، قد اغتسلت، باسم الآب والابن والروح القدس. آمين [460].]