9. الاعتراف بالإيمان
يحوّل طالب العماد وجهه من الغرب إلى الشرق، معلنًا قبوله الانتساب لمملكة النور بعد جحده مملكة الظلمة، أي قبوله السيد المسيح بعد رفضه إبليس. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [أنكم تتجهون نحو الشرق، فإن من يجحد الشيطان يتجه نحو المسيح ويراه وجهًا لوجه [392].]
لقد نُسب للشيطان الغرب، إذ يملك في الظلمة. وكما يقول السيد المسيح نفسه: "هذه ساعتكم وسلطان الظلمة" (لو 22: 53). ويقول الرسول بولس: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرؤَساءِ مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشرّ الروحيَّة في السماويَّات" (أف 6: 12)، ودُعيت جهنم الموضع الذي يستقر فيه إبليس وجنوده بالظلمة الخارجية.
وعلى العكس نُسب للسيد المسيح الشرق، إذ هو شمس البرّ الذي ينير على الجالسين في الظلمة (ملا 4: 1، مت 1: 16)، وقد دُعي الرب باللابس النور كثوبٍ (مز 104: 2)، وهو سرّ استنارتنا (مز 27: 1، 43: 3)، ودُعي أولاده "أبناء النور" (لو 16: 8)، كما دُعيت وسائط الخلاص بأسلحة النور (رو 13: 12).
أما من جهة الشرق فله مدلولاته الإيمانية العميقة التي سبق الحديث عنها بفكر إنجيلي آبائي [393]، فطالب العماد إذ ينظر إلى الشرق إنما ينظر إلى السيد المسيح نفسه الذي دُعي بالشرق (زك 6: 12) وشمس البرّ والعدل (ملا 4: 2). وبالنظر إلى الشرق نتطلع إلى الفردوس القديم الذي غرسه الله لنا في عدن نحو الشرق [394]، كما يلهب قلبنا بالشوق نحو مجيء السيد المسيح الذي صعد في المشارق ويأتي هكذا (مت 24: 27، أع 1: 11)، قائلين مع الأب ميثودسيوس من أولمبيا: [هلم نسرع جميعًا نحو الشرق، لنلتحف بالثياب البيضاء، ولنحمل مصابيحنا في أيدينا [395].]
ويلاحظ أن هذا الطقس بشقيه: التطلع إلى الغرب لجحد الشيطان ثم التطلع نحو الشرق لقبول السيد المسيح هو الخط الرئيسي الواضح في كل ليتورجيات العماد في الكنيسة الأولى.
والاعتراف بالإيمان له مفاهيمه اللاهوتية الأساسية في التمتع بالعماد المقدس.