ولهذا السبب أيضًا كان طالبو العماد يُمسحون بالزيت بعد جحدهم الشيطان وقبل دخولهم مياه المعمودية، كعلامة على أنهم قد مُسحوا جنودًا ومحاربين ضد عدو الخير إبليس.
إن كان الاعتراف بالإيمان كما سنرى هو دخول مع الله في ميثاق أو عهد جديد، فإنه يلزم أولًا جحد الشيطان، أي تمزيق العهد الذي أقمناه مع إبليس خلال الخطيئة.
* حينما يقودونكم إلى الداخل (في الكنيسة) يلزمكم جميعًا أن تحنوا ركبكم ولا تقفوا منتصبين. يلزم أن تبسطوا أيديكم نحو السماء وتشكروا الله على هذه العطية...
وبعد أن تحنوا ركبكم يُطلب منكم أن تنطقوا بهذه الكلمات: "أجحدك أيها الشيطان"...
ماذا حدث؟ ما هذا التغير المفاجئ الغريب؟ أنتم الذين كنتم ترتعشون بخوف، هل تثورون ضد سيدكم؟
هل تتطلعون إلى مشورته بازدراء؟
ما الذي جاء بكم إلى هذا الجنون؟ متى حلت بكم هذه الجسارة؟
تقولون: "لديَّ سيف، سيف قوي".
أي سيف هذا؟ أي حليف لكم؟ أخبروني.
تجيبون: إني أدخل في خدمتك أيها المسيح، لهذا فإني جريء وثائر. لأن لي ملجأ قويًا. هذا جعلني فوق الشيطان، أنا الذي كنت قبلًا اَرتعب منه وأخاف، لهذا لست أجحده وحده بل ومعه كل مواكبه.
* يطلب منكم الكهنة أن تقولوا: "أجحدك أيها الشيطان وكل مواكبك وكل خدمتك وكل أعمالك".
الكلمات قليلة لكنها عظيمة القوة!
الملائكة تقف بجواركم، والقوات غير المنظورة تفرح بتغييركم، ويتقبلون الكلمات من ألسنتكم ويحملونها إلى سيد كل الخليقة، لتنقش هناك في كتب السماء!
* هل رأيتم صيغة الاتفاق؟ فإنكم بعد جحد الشرير وكل ما له يطلب منكم الكاهن أن تقولوا: "أدخل في خدمتك أيها المسيح".
أترون غنى صلاحه؟! فإنه ما أن يتقبل هذه الكلمات حتى يودع فيكم مخزن جواهره هذه! إنه ينسى كل جحودكم القديم، ولا يذكركم بأفعالكم الماضية، مكتفيا بهذه الكلمات القليلة...
* إذ يعرف الكاهن أن العدو يصير بهذا ثائرًا ضدكم، يُصرّ بأسنانه، ويصبح كأسدٍ ثائرٍ، إذ يرى الذين كانوا قبلًا خاضعين لسطوته صاروا فجأة ثائرين عليه، ليس فقط يجحدونه، وإنما ينطلقون إلى جانب المسيح. عندئذ يدهنكم الكاهن على رؤوسكم ويضع عليكم العلامة (الصليب)، حتى يحوّل العدو عينيه عنكم، فلا يجسر أن يتطلع إلى وجوهكم إذ يراها تضيء مُشعَّة، فيثب هاربًا منها ويصيب العمى عينيه. لهذا فإنه منذ ذلك اليوم تقوم حرب وصراع ضده. على هذا الأساس يقودكم الكاهن إلى حلبة الصراع الروحية كمصارعين لحساب المسيح بفضل هذه المسحة [382].
أما اتجاه طالب العماد نحو الغرب أثناء جحد الشيطان إنما تأكيد لسلطان المؤمن، أن ينظر إلى مملكة إبليس بقوة، جاحدًا إيّاه وكل موكبه وجنوده وأعماله. يقول القديس غريغوريوس النيسي: [أن الغرب هو الموضع الذي يسكنه سلطان الظلمة [383].] ويعلق القديس هيلاري أسقف بواتييه على إحدى فقرات المزمور 47 مؤكدًا أنه يشير إلى نصرة السيد المسيح على سلطان الظلمة [384]. وكأن النفس لا تعود ترهب الشيطان الظالم المملوء قسوة، لأن [المسيح حطم سلطانه وأباد الموت بموته بطريقة بها انسحب تمامًا من مملكته [385].] هذا ما يؤكده الأب ثيؤدور المصيصي قائلًا: [مادام الشيطان الذي أطعتموه مرة خلال رأس جنسكم هو علة كل الشرور التي تلحق بكم لهذا يجب أن تتعهدوا بتركه [386].]
أما بسط اليدين أو اليد أثناء جحد الشيطان فكان يستخدم قديمًا حينما يقسم الإنسان أو يجحد قسمًا. وكأن طالب العماد يجحد العهد الذي أقامه آدم مع الشيطان بسقوطه في الخطيئة [387].
ومما يجدر ملاحظته أن حربنا مع الشيطان لا تقف بجحدنا إياه وكل موكبه وجنوده وأعماله، وإنما نُمسح بالزيت المقدس لننال قوة ضده، وبعد المعمودية مباشرة نتمتع بمسحة الميرون لكي نحمل في داخلنا الروح القدس روح المسيح الغالب، يسندنا في جهادنا كل أيام غربتنا ضد الشيطان.
* إن اسم "المسيح" جاء من المسحة. كل مسيحي يقبل المسحة إنما يدل بهذا ليس فقط أنه قد صار شريكًا في الملكوت وإنما صار من المحاربين ضد الشيطان.