7. جحد الشيطان
إذ يخلع طالب العماد ثوبه يتجه نحو الغرب، أو تقف الأم أو الأب أو الإشبين حاملًا على ذراعه الأيسر الطفل، ويبسط طالب العماد أو إشبينه يده اليمنى كأنما يحدث الشيطان معلنًا جحده له ورفضه مملكة الظلمة بجسارة وعلانية. هذا الرفض كما يقول العلامة ترتليان يتم داخل جرن المعمودية [365]، أما حسب التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس فيتم قبل دخول المياه [366]. أما مصدر هذا الطقس فكما يقول القديس باسيليوس الكبير هو التقليد، إذ يقول:
[إننا نبارك مياه المعمودية وزيت المسحة كما نبارك المُعمد نفسه أيضًا.
أي وصايا مكتوبة علمتنا أن نفعل هذا؟!
ألم نتعلم هذا من التقليد السري المقدس؟!
وأيضًا الدهن بالزيت، أي كلمة في الإنجيل علمت به؟!
أين ورد تغطيس الإنسان ثلاث مرات؟
أي كتاب جاء بكل الأمور اللازمة للعماد وجحد الشيطان وملائكته؟!
ألم يأت إلينا من التعليم السري الذي حافظ عليه آباؤنا في صمت دون أن (يكتب) كتعليمٍ عام؟!
إذن لا تبحثوا الأمر بتطفل... لأنه كيف يحق تعميم تعليم الأسرار كتابة، هذه التي لا يسمح لغير المعمدين حتى يتطلعوا عليها؟! [367]]
يعتبر هذا الأمر جزءً أساسيًا في طقس العماد، أشارت إليه كثير من كتابات الكنيسة الأولى وكشفت أيضًا عن مفهومه اللاهوتي الروحي.
* في الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه pomp وكل ملائكته [368].
* عندما يمسك الكاهن بمن يتقدم للعماد يأمره أن يجحد قائلًا: أجحدك أيها الشيطان وكل خدمتك وكل أعمالك [369].
التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس
وجاء في قوانين القديس هيبوليتس أن طالبي العماد يتجهون نحو الغرب ويقولون: [اجحدك أيها الشيطان وكل موكبك pomp [370].]
أما كلمة "pomp" التي يجحدها المسيحي فقد ترجمت عن اليونانية كما هي إلى اللاتينية، وهي في رأي العلامة ترتليان تشير إلى عبادة الأصنام [371]. ويرى جنجمان J. Jungmann أنها تشير إلى الموكب الخاص بأعياد الآلهة في القرون الأولى حيث كانت الأصنام تُحمل في موكب نصرة، فيظهر إبليس كغالب للعالم، وكأن الذين يعيشون في الخطيئة يسيرون في هذا الموكب كجنود له، وكأن طالب العماد يعلن تركه هذا المعسكر الشيطاني مجندًا لخدمة ملكوت الله [372].
ويترجم البعض كلمة "pomp" "بالمناظر الفخمة والمجد الزمني"، أو "المجد الباطل"، وقد شرح القديس يوحنا الذهبي الفم هذه الكلمة بقوله: [إذا قلت من كل قلبك أجحدك أيها الشيطان وكل مجدك الباطل، فإنك سوف تعطي حسابًا عن ذلك في يوم الدينونة... والأمجاد الباطلة الخاصة بالشيطان التي هي المسارح والملذات الشريرة، والتفاؤل بالأيام وبالفرص، وبالكلمات العفوية التي تقال للغير، وهي في الأصل لا تخصنا، وأيضًا التشاؤم من النذير. وإنني أسألكم ماذا يُعد في العالم فألًا؟! أحيانًا عندما يترك إنسان منزله يرى رجلًا بعين واحدة أو أعرج فيتشاءم. هذه هي أمجاد الشيطان الباطلة لأنها ألاعيبه، فإن لقاء البشر لا يجعل يومنا سيئًا، وإنما ارتكاب الخطيئة هو الذي يجعله هكذا [373].]
وأيضًا القديس كيرلس الأورشليمي يرى ذات الأمر: [مجد الشيطان هو الاشتياق للمسارح وسباق الخيل وسباق المركبات وألعاب السيرك وكل الأباطيل التي من نفس النوع. أيضًا المآدب الخاصة بأعياد الأوثان وما فيها من طعام وخبز وكل ما تدنس باستدعاء الشياطين النجسة. الأطعمة والخبز في ذاتها طاهرة لكن استدعاء الشياطين ينجسها [374].] ويقول الأب ثيؤدور: [أن حيل الشيطان هي المسرح والسيرك والألعاب الرياضية والأغاني والرقص. هذه كلها زرعها الشيطان في العالم تحت ستار اللهو، لكي يثير النفوس ويسرع بها إلى الهلاك، لذلك يليق بكل من يشترك في سرّ العهد الجديد أن يحفظ نفسه منها [375].]
لقد امتنع المسيحيون عن كل أنواع اللهو إذ قدمت في ذلك العصر تكريمًا للآلهة الوثنية، حتى الألعاب الرياضية كان أبطالها يتوجون باسم الآلهة.