9 ـ إن الذين يتناولون هذه الأمور بهذه الطريقة، لا يدركون أنهم يقعون في تناقض مع أنفسهم، لأنهم حتى وإن قالوا إن الجسد ليس من مريم بل إنه من نفس جوهر الكلمة، (وهذا ما يتظاهرون أنهم يفكرون به، وذلك لكى لا يظهر حقيقة ما يفكرون به)، فإنه بحسب تفسيرهم هذا، يمكننا ان نوضح أنهم يقولون برابوع . لأنه كما أن الابن، بحسب الآباء، هو من نفس جوهر الآب، وليس هو الآب نفسه، بل يُقال إنه ابن من نفس جوهر الآب، هكذا جسد الكلمة (الذي يقولون) إنه من نفس جوهر الكلمة لا يكون هو الكلمة ذاته بل هو آخر بالنسبة للكلمة .. ولكونه آخر (غير الكلمة)، فإنه بحسب رأيهم يكون ثالوثهم رابوعاً .
لأن الثالوث الحق، والكامل بالحقيقة، وغير المنفصل لا يقبل إضافة، بل إن فكرة (الإضافة) قد اختلقها هؤلاء الأشخاص .
وكيف يمكن أن يظلوا مسيحيين أولئك الذين يخترعون إلهاً آخر مختلفاً عن الإله الكائن . ومرة أخرى فإنه في الإمكان أن نرى في سفسطتهم الأخرى منتهى الحماقة .
لأنهم يظنون أنه بسبب ما هو موجود في الكتب وما قيل فيها من أن جسد المخلص هو من مريم وأنه بشرى، فإنهم يعتبرون بذلك أن هناك رابوعاً بدلاً من ثالوث، كما لو كانت قد حدثت إضافة بسبب الجسد، وهكذا فإن الذين يساوون الخالق بالخليقة يضلون كثير، إذ أنهم يتوهمون بأنه من الممكن أن يقبل اللاهوت إضافة . وعجزوا عن أن يدركو، أن الكلمة صار جسد، ليس لأجل إضافة (شئ ما) إلى اللاهوت، بل من أجل أن ينال الجسد قيامة. ولم يأتى الكلمة من مريم لكى يرتقى هو، بل لكى يفدى الجنس البشرى. فكيف إذن يفكرون أن الجسد وهو الذي افتداه الكلمة وأحياه، يقوم بإضافة شئ ما من ناحية اللاهوت إلى الكلمة الذي أحياه ؟ بل بالعكس فإن الجسد البشرى ذاته هو الذي حدثت له زيادة كبيرة، بسبب شركة الكلمة معه واتحاده به، لأنه (الجسد) صار غير مائت بعد أن كان مائت، ورغم أن الجسد كان حيوانياً (نفسانياً) فقد صار روحاني، ورغم أنه من تراب الأرض فقد اجتاز الأبواب السماوية .
إذن فالثالوث هو ثالوث، رغم أن الكلمة حصل على جسد من مريم، والثالوث كامل لا يقبل زيادة ولا نقصان، ولا نعرف إلاّ لاهوتاً واحداً في الثالوث، وهكذا يكرز في الكنيسة بإله واحد هو أب الكلمة .