5 ـ لكن حاشا له أن يكون هكذا. لأنه كما قال الرسول جاء لمساعدة[2] نسل إبراهيم، من ثمّ كان ينبغى أن "يشبه اخوته في كل شئ"(عب17،16:2) ويتخذ جسداً مشابهاً لنا. ولهذا السبب أيضاً كانت مريم في الحقيقة مفترضة من قبل[3]. ليأخذ الكلمة منها (جسداً) خاصاً به ويقدمه من أجلنا .
وقد أوضح إشعياء هذا متنبئاً فقال: "هاهى العذراء" (إش14:7) وأرسل الله جبرائيل إليها، ليس إلى مجرد عذراء، بل "إلى عذراء مخطوبة لرجل" (لو27:1) لكى يتبين من كونها مخطوبة، أن مريم كائن بشرى بالحقيقة. ولهذا السبب ذكر الكتاب أيضاً أنها ولدته، وأنها " قمطته " (لو7:2) ولذلك فإن الثديين اللذين رضعهما، يُعتبران مباركين (قارن لو27:11). وقد قدم ذبيحة، لأنه بولادته فتح الرحم (أنظر لو23:2) وهذه كلها براهين على أن العذراء هى التى ولدته .
وجبرائيل حمل إليها البشارة بيقين كامل ولم يقل مجرد "المولود فيك"، حتى لا يُظن أن الجسد غريب عنها ومجلوب إليها من الخارج، بل قال "المولود منك " لكى يعتقد الجميع أن المولود خارجاً منه، إذ أن الطبيعة تبين هذا بوضوح، فمن المستحيل على عذراء أن تدر لبناً إن لم تكن قد ولدت. ومن المستحيل أن الجسد يتغذى باللبن ويُقمط إن لم يكن قد وُلد بصورة طبيعية قبل ذلك .
وهذا هو المقصود بالختان في اليوم الثامن بعد ولادته: إن سمعان تلقاه في أحضانه وهذا يدل على أنه قد صار طفل، وأنه نما حتى صار له من العمر اثنتا عشر سنة (أنظر لو21:2ـ42) إلى أن بلغ الثلاثين عاماً (أنظر لو23:3). وليس كما يظن البعض أن جوهر الكلمة نفسه قد خُتِنَ بعد أن تحوّل. لأنه لا يقبل التحوّل ولا التغيّر . لأن المخلص نفسه يقول " أنظروا، أنظرو، لأنى أنا هو، وأنا ما تغيرت " (ملاخى6:3س).
أما بولس فيكتب قائلاً : " يسوع المسيح هو هو بالأمس واليوم وإلى الأبد " (عب8:13) ولكن كلمة الله غير المتألم والذي بلا جسد، كان في الجسد الذي خُتِنَ وحُمِلَ، والذي أكل وشرب، والذي تعب، والذي سُمِرّ على الخشبة وتألم .
هذا الجسد هو الذي وُضِعَ في قبر ـ عندما تخلى عنه الكلمة ـ ولكنه لم ينفصل عنه ـ وذلك " ليكرز للأرواح التى في السجن " كما يقول بطرس (1بط19:3).