آلام الحياة
كان من نتائج خطية آدم أن الله حكم عليه بأن يأكل خبزه بعرق جبينه " مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ " (تك3: 17-19).
أما حواء فقال لها: " تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً، وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ " (تك16:3).
الموت
خلق الرب الإله آدم " وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا "، ثم أوصاه قائلاً: " مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ " ( تك2 :15-17).
لكنَّ آدم لم يحفظ الوصية فأكل من الشجرة التي نهاه الله عن أن يأكل منها، فكان لابد أن يموت لأنَّه خالف قول الرب، فالله الرحوم هو نفسه الله العادل، وقد استطاع الله بحكمته أن يجعل الرحمة والعدل يلتقيا في شخص المسيح، فيموت البار لتحيا البشرية المائتة بموته!
كيف تنتقل الخطية الأصلية من آدم إلي ذريته؟
عن طريق الولادة التي من خلالها يرث البشر طبيعة المولودين منه، وطبيعة آدم بعد الخطية قد تلوثت، وأصبحت تحمل الثنائية: الخير والشر، وصار محكوم عليه بالموت، فالإنسان بحسب حكم الوراثة يرث من أبويه المنظر والشكل الخارجي، كما يرث الاستعداد للصفات النفسية والأخلاقية والميول العقلية والذهنية، ويرث صفات أخري جسمية ونفسية.. تنحدر إليه من جميع الآباء السابقين علي أبويه القريبين، أيّ من جميع أصول الشجرة البشرية وأفرعتها موصولة بالأب الأول للجنس البشري آدم الذي منه تفرّع الناس، ومنه ولدوا وتوالدوا، فانتشر فيهم جميعاً دمه وبالتالي صفاته وميوله.
ولذلك صارت لجميع الناس صفات وخصائص مشتركة يشترك فيها جميعهم، وبحسب قانون الوراثة، الذي هو قانون طبيعيَّ مثل جميع القوانين الطبيعية، في ثباتها وحتميتها وعدم تخلّفها، لا يخلق الإنسان خلقاً مباشراً منفصلاً عن أبويه، كما خلق الأب الأول آدم.
وإنَّما يخلق كل بشر نتيجة للتزاوج بين الرجل والمرأة، ويولد منهما معاً، فيكتسب طبيعتهما ويتّصف بصفاتهما، وفي هذا يقول الكتاب: " وَعَاشَ آدَمُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ وَلَداً عَلَى شَبَهِهِ كَصُورَتِهِ وَدَعَا اسْمَهُ شِيثاً " (تك3:5).
ولمَّا تم التوالد في الجنس البشري بعد أن سقط الأبوان الأولان في الخطية (تك1:4)، فكان ولابد لأولاد آدم أن يرثوا حالته الساقطة، لأنَّهم ولدوا منه بعد سقوطه، ولو كانوا ولدوا منه قبل السقوط لكانوا قد ورثوا حالته السامية التي كان عليها قبل السقوط، فلا عجب أن يرث الابن أو الابنة.. حالة المرض أو الضعف أو الاستعداد لمرض انحدر إليه من أحد جدوده لأبيه أو لأمه، فمثل هذا ما يعرف بالأمراض الوراثية، كالسكر أو عمي الألوان... ولهذا يقول داوود النبيّ: " هَا إِنِّي بِالإِثْمِ قَدْ وُلِدْتُ وَفِي الْخَطِيئَةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي " (مز5:51)، " زَاغَ الأَشْرَارُ وَهُمْ مَا بَرِحُوا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَضَلُّوا نَاطِقِينَ بِالْكَذِبِ مُنْذُ أَنْ وُلِدُو " (مز 3:58)، وإشعياء النبيّ يقول: " مِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِياً " (إش 8:48)، أمَّا أيوب الصديق فيقول: " مَنْ يَسْتَوْلِدُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ ! " (أي4:14).
تلك النصوص وغيرها تشهد بأنَّ جرثومة الخطية تغلغلت في كيان الجنس البشري، وكل إنسان يولد عليه أن يحملها! ومثل الإنسان في ذلك، النبات والشجر، فكل نبات وشجر يُثمر ثمراً كصنفه: " وَقَالَ اللهُ: لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْباً وَبَقْلاً يُبْزِرُ بِزْراً وَشَجَراً ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَراً كَجِنْسِهِ بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ كَذَلِكَ " (تك1 :12،11)، ولهذا يقول رب المجد يسوع: " مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِيناً؟ " (مت16:7) (لو6: 44،43) (يع12:3).
من هنا نفهم السبب الذي من أجله ولد المسيح من عذراء بغير زواج.. عذراء لم يعرفها رجل معرفة الأزواج.. لأنَّ هذا هو الطريق الأوحد الذي يضمن عدم سريان الخطية الجدية إلي المسيح يسوع، الذي حملت به العذراء وولدته مثلنا تماماً في كل شيء إلاَّ في خلوة من لوثة الخطية الأصلية، فجميع الأولاد يولدون ملوثين بالخطية الأصلية، إلاَّ يسوع المسيح وحده (مت 18:1) ، ولهذا قال مرّة لليهود: " مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ " (يو46:8) فهو الوحيد الذي " الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ " (ابط22:2).
وكون المسيح لم يرث الخطية الجدية، أهّله ليكون دون غيره من بين من أخذوا طبيعة الإنسان أن يقوم بعملية الفداء ويتمم لنا الخلاص، كما قال معلمنا بطرس الرسول: " وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ " (أع12:4)، " لأَنَّهُ يُوجَدُ إلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ " (1تي5:2).
المعمودية: طريق الخلاص من الخطية الأصلية
أخطأ آدم بأكله من الشجرة المنهي عنها، فصدر عليه الحكم بالموت عقاباً له، لكن آدم لم يمت وحده، وإنّما ماتت معه كل ذريته لأنَّها كانت في صلبه عندما أخطأ، فلا مفر من الموت إذن، لكن المسيح مات بدلاً من المحكوم عليهم بالموت وعوضاً عنهم، ففداهم بموته وصار هو الفاديّ والمخلص... ثم بعد قيامته رسم لنا طريق المعمودية، لتكون الطريق البديل الذي به يتم الحكم علينا بالموت.. فالموت يتم فعلاً في المعمودية بطريقة سرية روحانية غير منظورة، بفعل الروح القدس الذي ينحدر علي مياه المعمودية.
يقول معلمنا بولس الرسول: " مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَإِذْ كُنْتُمْ أمْوَاتاً فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحاً لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا (كو2: 13،12)، (رو6 : 3-8)، فالمعمودية إذن موت مع المسيح ودفن معه في الماء بدلاً من القبر، هي موت لطبيعتنا الأولي، أو إنساننا العتيق، وقيامة حقيقية بطبيعة جديدة، وكل من الموت والقيامة، يتم بطريقة روحانية خفية غير خاضعة لحواسنا البشرية.