الفصل الثالث
خطية آدم (الخطية الأصلية)
" بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت
وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ الجميع "
(رو12:5)
لقد خلق الله أبوينا الأولين مزينين بالبر والقداسة وكل ما هو طاهر وجليل.. لأنَّه علي صورته ومثاله خلقهما " لِنَصْنَعِ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا " (تك26:1).
ولكن سرعان ما سقط آدم عندما أكل من الشجرة، التي نهاه الله أن يأكل منها (تك2: 16،17)، فسقطت البشرية كلها في الخطية بسقطته " فَكَمَا أَنَّهُ بِعِصْيَانِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خَاطِئِينَ، فَكَذلِكَ أَيْضاً بِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً " (رو19:5)، ولهذا دُعيت خطية أبينا آدم بالخطية الجدية أو الخطية الأصلية، لأنَّها أصل كل الخطايا التي يرتكبها البشر.
وعلي الرغم من أنَّ آدم هو الذي قد أخطأ، إلاَّ أنَّ خطيته لم تبقَ عالقة به وحده، بل انتقلت منه إلي أبنائه ميراثاً مشئوماً، فأصبح السقوط لا سقوط إنسان، بل سقوط البشرية بأكملها في الخطية التي كان الموت ثمرة من ثمارها.
وقد مات آدم بالفعل تِبعاً لحكم الله " بِعَرَقِ جَبِينِكَ تَكْسَبُ عَيْشَكَ حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ فَمِنْ تُرَابٍ أُخِذْتَ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ " (تك19:3)، كذلك وبالتبعية ماتت في آدم ومعه كل ذريته، وطُردت معه من فردوس النعيم (رو14:5) (1كو 22:15).
يقول القديس مقاريوس
" إن العالم الذي تراه حولك ابتداء من الملك حتى الشحاذ، جميعهم في حيرة واضطراب وفتنة، وليس أحد منهم يعرف السبب في ذلك، مع أن السبب هو ظهور الشر الذي دخل داخل الإنسان، عن طريق معصية آدم ".
الفرق بيننا وبين آدم من حيث الخطية الأصلية
علي أن خطية آدم تختلف عن خطية ذريته، إذ أنَّ خطيته فعلاً قد ارتكبه عندما أكل من الشجرة، أمَّا خطية أبنائه فهي حالة قد وجدوا فيها.
ويمكن تشبيه ذلك بسيد أعطى بيتاً لرجل بشرط أن يُحافظ عليه ويُحسن خدمته، لكن حدث أنَّ الرجل أساء استخدام البيت فاسترده السيد، بحكم الشرط الذي اشترطه عليه، فصار أبناء هذا الرجل لا يملكون البيت.
فالفرق بين الاثنين هنا:
إنَّ الرجل فقد البيت لذنب ارتكبه بالفعل، أمَّا الأبناء فحُرموا منه لا لذنب ارتكبوه. إنَّما لذنب ارتكبه أبوهم، لكنَّهم وجدوا في وضع كان والدهم لا يملك فيه البيت.
كما أنَّ خطية آدم كانت خطية فعلية إذ خالف وصية الله، فالخطية خرجت عن ذات آدم، أمَّا فينا نحن فليست هي إلاَّ عدوى من شر خطيته، ومخالفة متعدية منه لنا لأنَّه خلفها لنا.