طُُلِبَ من أحد مُصوّري فرنسا أن يرسم صورة ترمز إلى حياة (الطهارة)، فانتقى طفلاً جميلاً ذا صورة ملائكية، له من العمر خمس سنوات، ورسم صورته وكتب تحتها (الطهارة).. وتمر السنون وبعد عشرين سنة، طُلِبَ من نفس الفنان أن يرسم صورة لتكون رمزاً لحياة (النجاسة)، فماذا فعل؟ ذهب إلى (خمَّارة)، وبعد أن جال ببصره بين الحاضرين، رأى شخصاً له عينان غائرتان كشمس المغيب وهى تُطفأ أنوارها، ووجهه مصفر كأوراق الخريف المتساقطة على بقعة مُلوَّثة من الماء، فاصطحبه إلى بيته بعد أن اتفق معه أن يرسم صورته نظير مبلغ من المال.
وحدث أثناء الرسم أنَّهما تجاذبا أطراف الحديث، وكان موضوع حديثهما حياة الرجل المدمن، وبينما كان الرجل يسرد سيرته، انتفضت يد المصور حتى سقطت الريشة على الأرض، وذلك لأنَّه علم أنَّ الشخص الذي يرسمه الآن، لكي يُقدّم صورته كرمز النجاسة، هو ذلك الطفل الذي رسمه من عشرين سنة وكتب تحت صورته الطهارة! وكان سبب التغيير في منظره.. إنّما هو الخطية!!
الخطية مرض مؤلم ومشوه، وفي نفس الوقت عسير الشفاء! أقول هذا ليس لتهبيط عزائمكم، أو إدخال اليأس إلى قلوبكم.. ولكن للقضاء على فكر شرير قد سيطر على أُناس كثيرين، يوهمهم بأن يحيوا شبابهم كما يحلوا لهم، فالكنيسة لن تغلق أبوابها في وجوههم متى عادوا إليها، والكاهن لن يمنع عنهم غفران الله، وجسد المسيح موجود كل يوم على المذبح.. وهذا ما يحدث بالفعل، ولكن من أعلمهم أنَّ حياتهم ستستمر؟! ألا يأتي الموت كلص في ساعة لا نعلمها؟!
هنا أتذكر قصة شاب سقط في الخطية حتى إنَّه قد أدمن الزنى، فكانت النتيجة أنَّه أُصيب بمرض في عينيه، فذهب إلى أحد الأطباء فلمَّا كشف عليه، أدرك أنَّ حياة النجاسة التي يتمرغ في وحلها هى سبب مرض عينيه، فقال له: أنا لا أعدك بأنَّ عينيك ستعود كما كانت، ولكن إن كنت تريد أن تبقى كما هى الآن ولا تزداد سوءاً، فعليك أن تبتعد عن حياة النجاسة التي تحيا فيها.. فلمَّا سمع الشاب هذا الكلام أطرق ببصره إلى أسفل ونظر بحزن إلى الأرض، ثم رفع عينيه في ذل واستصغار وقال والألم يتموج في كلامه: أيها الطبيب أيسر لي أن أتخلى عن بصري، من أن أتخلى الجنس الذي قد أصبح كل شيء في حياتي!! ومن هنا جاءت العبارة القائلة:
أمام مرض الخطية يعجز الأطباء!!
الخطية أيضاً مرض معدٍ، سريع الانتقال من المرضى إلى الأصحاء، ولذلك قال مُعلّمنا القديس بولس الرسول: " لاَ تَضِلُّوا ! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ " (1كو33:15).
والحق إنَّ الخطية والمرض يتشابهان في أشياء كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أنَّ المرض والخطية:
يُضعان المُصاب بهما
فمادام المريض مُلقى على الفراش فقوته إذن لابد أن تكون في ضعف، وهكذا أيضاً الخاطيء، إذا تملَّكت عليه الخطية تُصيبه بضعف تام، وإلى هذا الضعف قد أشار مُعلمنا بولس الرسول قائلاً: " لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ " (رو6:5).
وهذا الضعف الذي يشمل الجسد ويتملك الإرادة.. يجعل الإنسان معرّض للسقوط على الدوام أمام أقل تجربة، فمجرد نقد يُثيره، وكلمة جارحة تُغضبه، ورؤية منظر فاسد يُسقطه في الزنى..
يشوّهان جماله
ما من مريض إلاَّ ونراه: إمّا فاقد نضارة الوجه، أو مشوّه الأعضاء، وهكذا أيضاً الخطية تشوّه جمال الإنسان، وتجعل وجهه كما لو كان صحيفة باهتة ملتوية، كُتب عليها بقلم معوج يسيل منه حبر شيطاني وبلغة واضحة ذات أحرف بارزة: خاطيء وشرير! لأنَّ إبليس عندما يحل في قلب إنسان، يطبع صورته القبيحة على وجهه، حتى إنَّ كل من يقترب منه ويتعامل معه ينفر منه! إلاَّ إذا كان مثله فالطيور على أشكالها تقع!