إنَّ الوردة لا تحيا إلاَّ في النور والهواء، أمَّا إذا وضعت في مكان مُغلق فإنَّها حتماً ستموت، والإنسان شأنه شأن الوردة، فهو حين يُغلق بابه على نفسه فإنَّه سرعان ما يجف ويذبل، وأمَّا حين يفتح باب قلبه للحُب فسرعان ما ينمو وتفوح منه روائح الفضيلة، ولهذا فإنَّ مسكن الذات في حاجة دائمة إلى تهوية.
وها نحن نتساءل: أيهما أفضل للإنسان: أن يفتح ذاته لَعَلَّه يخرج من قوقعته، ويعرف أنَّ الكون فيه كثيرون غيره، هم في حاجة إليه وهو في حاجة إليهم؟! أم أن يظل في عزلته العقيمة يُراقب نفسه بطريقة سلبية، ويسعى لتحقيق رغباتها بوسائل خاطئة؟!
إنَّ البشر لا يملكون أبواباً ولا نوافذ، لأنَّهم لم يُخلَقوا ليعيشوا منعزلين أو منغلقين على أنفسهم، بل خُلقوا لكي يحيوا في علاقة مباشرة مع العالم، وكأنَّما هم بطبيعتهم موجودات مكشوفة، تحيا في العراء، فلماذا نعزل أنفسنا؟! ولماذا نغلق علينا باب الأنانية؟!
نعترف بأنَّ كل من يقول: إنَّ الذات هى عالم قائم بنفسه، هو إنسان ليس على صواب وأقرب إلى المريض النفسانيّ، لأننا كائنات عاملة خُلقنا لنحيا في الخارج مع الآخرين أكثر مما نحيا في الداخل مع أنفسنا! حقاً إنَّ كل ذات متفرّدة تفرّد البصمة للإصبح، ولكن أليست الذات هى حصيلة تراث تعاقبت الأجيال فى تكوينه؟ وما عسى أن تكون الذات لو جردناها من كل ما وضعه الآخرين فيها؟!
قد نكون على صواب إن قلنا: إنَّ الحُب شمس منيرة تُرسل إشعاعاتها الذهبية فتَعُم الخليقة، وتملأها دفئاً وحرارة، أمَّا الشهوة فهي كالغيّمة السوداء، التي تحجب عنا نور الشمس، إنَّها مجرد ظل من الظلال، أو سُلم ندوسـه بأقدامنا، أو انفعال عنيف يقوم على التهور والاندفاع..
وإن قلنا إنَّ الشهوة أرض مقفرة بلا ثمار، كانت المحبة مظهراً من مظاهر الوفرة، أو الخصوبة، أو الامتلاء.. ولهذا لا يستطيع إنسان أن يُحِب إلاَََّ إذا كان يُعطي، فمن خلال الأعمال نعرف الشخصية الثرية من الشخصية القفرة، فالحُب ليس مجرد ذبذبات هوائية ينطق بها الإنسان ، إنَّما الحُب أعمال قبل أن يكون أقوالاً.
نستطيع أن نقول: إنَّ المحبة هى شجرة مثمرة، ولهذا لا يشكو المُحِب من الوحدة، لأنَّ هناك دائماً من ينتظرون ثماره الحلوة، أمَّا الشهوة فهى شوك حاد، لا يجني منه الإنسان سوى الجروح والآلام...!