ولمَّا كان من شأن الشهوة أن تدفع بصاحبها إلى البحث عن لذاته على حساب الآخرين، فمن الطبيعيّ إذن أن يعمل الشهوانيّ على استمرار نموه ومضاعفة لذته، ولو كان ذلك على حساب غيره من الناس، إن لم نقل على حساب غيره من الكائنات الحية! وتِبعاً لذلك فإنَّ سعادة البعض كثيراً ما تكون مصدر عذاب لغيرهم! لأنَّ " اَلرَّجُلُ الظَّالِمُ مَكْرَهَةُ الصِّدِّيقِينَ وَالْمُسْتَقِيمُ الطَّرِيقِ مَكْرَهَةُ الشِّرِّيرِ" (أم29: 27).
إنَّ الشهوة في صميمها نوع من التصلّب والتحجّر والنفعيّة والأنانيّة.. فكيف لها أن تُحِب الآخرين أو تهتم بهم، وهى الغارقة دائماً في سُبات العشق الذاتيّ الذي ليس لمحيطه قرار! إنَّها سمة من سمات حُب الذات، الذي مهما امتد واتسع.. فإنَّه لن يصبح يوماً مركزاً لانتشار إشعاعات التضحية والبذل والعطاء.. إذن فالذات التي تُحِِب هي في حاجة إلى التخلي عن مصلحتها الخاصة، والتنازل عن حُبَّها المريض لنفسها!
ولأنَّ حُب الذات لا يتجه نحو شخص أو شيء، بل هو يتجه نحو لذة أو منفعة.. فهو لذلك بلا مستقبل لأنَّ بدايته هي نهايته ومستقبله مثل ماضيه، أمَّا الحُب الحقيقيّ فله مستقبل، لأنَّه يُخلّص الإنسان من عبادة الذات، ويتجه نحو الآخر، دون أي تفكير في العودة أو الارتداد إلى الذات مرة أُخرى، وتٍٍبعاً لذلك فإنَّ كل الآمال ميسّرة له، وسماء العالم الخارجيّ مفتوحة أمامه! إنَّه عميق كالبحر، عالٍِ كالنجوم، متّسع كالفضاء، فإن كنت لا تريد أن لا تخرج من ذاتك، وتتخلّص من أنانيتك، وإن كنت لا تُريد أن تتعلّم كيف تهتم بالآخرين وتقدّرهم، أو تتصل بهم بعمق مشاعرك أو أفكارك، وتُشركهم أيضاً في عمق ذاتك، فأنت في الحقيقة ترفض الحُب!
إنَّ كثيرين يخلطون بين الحُب والشهوة، فلا يصبح الحُب عندهم سوى نقطة تلاقي، تتقابل عندها شخصيتان أنانيتان جشعتان، تخدم الواحدة منهما نفسها حين تخدم الآخر! ولا شك أنَّ مثل هذا الحُب لابد من أن يتحوّل إلى أداة، مادام الشخصان لا يلتقيان، إلاَََّ لكي يعمل كل منهما على زيادة نصيبه من المنفعة التي يُريدها من الآخر!
ولكننا نعترف بأنَّ أصعب شيء على الإنسان، هو أن يرى الآخرين يتعاملون معه كما لو كان آلة ينتفعون بإنتاجها، أو ينظرون إليه نظرات شهوانية خالية من الوقار والحُب، وقد تشعر المرأة بمثل هذه السهام السامة، وهى تخترق قلبها أكثر من الرجل.