كما أنَّ المَحبَّـة لا تشترط عطاءً مادياً في كل الأحوال، ففي أحيان كثيرة تكون الابتسامة أو كلمات الحُب الرقيقة أقوى بكثير من كل العطايا المادية، فكلمات الحُب حوّلت زناة إلى قديسين وأذابت الكراهية من قلوب كثيرين، كما يُذيب وهج شمس الربيع الدافئة الثلوج المتجمدة، فتُحوّلها إلى مياه تروي الأرض الجافة، وتسقي القلوب العطشانة، وهل ننسى كلمات السيد المسيح على الصليب! ومعلمنا بولس الرسول ألم يقل: " كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ " (2كو10:6)، فبأي شيء نُغنيهم ومنهم قد يكونون أثرياء؟!
ولكن رغم أهمية المحبة البشرية وضرورتها للحياة، إلاََّ أنِّها لا تهب الناس سعادة كاملة، إن لم تكن ثمرة من ثمار محبة الإنسان لله، فالإنسان كثيراً ما يجد نفسه وهو مستغرق بتمامه في المحبة البشرية بكل ما تشمل من بذل وعطاء.. إنَّه لا يزال يعاني من آلام الوحدة القاسية، ولم ينجح قط فى التغلب على القلق الناجم عن الشعور بالعزلة وضغوط الحياة.. ومن هنا ينصرف عن هذا الحُب البشريّ بضعفه ونقصه وقصوره، وذلك لكي ينشد حباً أكمل وأنقى وأشمل.. ألا وهو: الحُب الإلهيّ! الذي هو النهاية، وأرفع ما يمكن أن يصل إليه البشر، ولا استقرار أو خلاص إلاََّ من خلاله.
هذا عن الحُب، أمَّا الشهوة فهي ذلك الشعور الذي يهدف إلى إشباع الذات بطريقة خاطئة، إنَّها علاقة مع الآخر، ولكنَّها تهدف إلى تدميره وتدنيس صورته وتشويه سمعته! وعلى حين أنَّ المحبة تعني البذل والعطاء إلى أبعد الحدود، نجد أنَّ الشهوة تعني السلب والاستغلال إلى آخر قطرة من الدماء!
وإن كانت المحبة تُمثّل نوعاً من التعمق عند الآخر، لترى فضائل الروح الكامنة في أعماقه، فالشهوة تُمثّل السطحية التي لا تنظر إلى ما يحمله الآخر من مواهب أو قيم.. لأنَّ الشهوة متعجّلة لا تتوقف، صمّاء لا تسمع، عمياء لا تُبصر! ويُعد التمركز حول الذات هو أهم ما يُميّز الشهوة، أمَّا ما يُميّز الحُب هو الخروج عن نطاق الذات!
إنَّ الحُب ما هو إلاَََّ تعبير عن الرغبة في التسامي، أو الصعود نحو كل ما هو طاهر وجليل، بينما الشهوة هى تعبير عن حركة هابطة، يُراد بها تحقيق كل ما هو تافه ووضيع! وإن كانت الشهوة لا تخرج عن كونها رغبة وشوق وابتزاز، نجد أنَّ المحبة ترتبط بالتضحية والبذل والعطاء.
الشهوة لا ترى في الناس إلاَََّ تكراراً لبعض اللذات المُملة، وتنظر إليهم كما لو كانوا قطع من اللحم أو الحلوى.. تمنوا لو التهموها! ولهذا فإنَّ الشخص الذي تتأصل فيه مشاعر الشهوة سرعان ما يُصبح ذاتاً صلبة، ومثل هذا الإنسان يحيا في عجز تام عن معرفة قريبه حامل القيم السامية، وبالتالي فإنَّه يظل غريباً عنه بل غريباً عن نفسه!