الوعي
إن وعينا بتلك الثنائيات التي تُحيط بنا، يجعلنا أكثر إدراكًا للواقع الذي نحياه، وأكثر تقبُّلاً لاحتمالات التعثــُّر والسقوط. وبقبولنا طبيعتنا البشريَّة المُعرَّضة للخطأ، سنُصبح أكثر قوَّة وقُدرة على النهوض دُفعةً أخرى. فالذي يجعل من الصعب على شخصٍ ما، القيام مرّة أخرى بعد السقوط، هو شعورٌ كاذب بالاستقرار والثبات، والثقة في طبيعة بشريَّة عتيقة قد تثور وتزأر في أيِّ وقت، ممَّا يُشكِّل صدمةً عنيفةً، حينما يجد أن ثباته كان حُلْمًا مرَّ سريعًا، وأن نقاوته قد طالتها أيدي الخطيئة. لذا ينصح القديس بولس قائلاً: « مَنْ يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط » (1كو10: 12).
ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
عندمـا يَسْقُـط المُتكبِّر يندهـش وينـدم ويفقـد الرجـاء،
أما المُتضـع فهـو يعـرف ضعفـه،
ولا يندهـش من تصـرفٍ أو سلـوكٍ،
بل ينـدم برجـاءٍ حيٍّ في رحمـة الله.
لذا فمن الضروري وضع هامش للخطأ والتعثــُّر في الحياة التي نحياها، ممَّا يَهِبنا القُدرة أن نتجاوز لحظات السقوط سريعًا، ونتصرَّف بإيجابيَّة بعد كلّ فشلٍ قد ننحدر فيه أثناء صراعنا اليومي المُحْتَدِم.
إن قبولنا لذواتنا ليس تصالُحًا مع الخطيئة ولكنه وعي بإمكانيَّة السقوط، كبشرٍ، نحيا في خيمة إنسانيَّة. ولكن هذا الوعي لا ينبغي أن ينفصل عن سعي دؤوب لتغيير تلك الحالة بلمسات النعمة. فكثيرًا ما يُجاهد البعض ولكن بثقة في الثبات دون معرفة هشاشة النفس البشريَّة التي تحيط بها حيَّات وأفاعي الخطيئة ليل نهار، وهي تتربَّص بها لتلدغها حينما تسهو وتغفو. كما أننا نجد أن هناك قطاعًا آخر من البشر يدركون طبيعتهم الخاطئة ولا ينهارون أمام قسوة السقوط، ولكنهم في المقابل، لا يعملون على تغيير تلك الحالة!! فيصبح وعيهم استكانةً وتَصالُحًا مع الظلمة.
لذا فمن الضروري أن يمتزج الوعي بالضعف الإنساني مع العمل والسعي للقيام والتوبة والتجدُّد، حتّى تكون التوبة مدفوعة بقوَّة الرجاء الذي يُوفِّر على الخاطِئ جهادًا طويلاً في سعيه للنهوض دُفعةً أخرى.
وفي كلّ مرّة تأتي غيمة السقوط لتُحيط بك، وتُبدِّد شوقك للنقاوة؛ يجب عليك أن تقف وتــُردِّد في داخلك:
إنها الطبيعة البشريَّة الخاطئة التي تعمل فـيَّ للموت،
إنه الجسد الشقي
الذي يُكبِّل روحي الثائرة على العالم المادي،
إنها بقايا لحظات من ذكرى سقوطٍ أليمٍ
قد طال أبويَّ آدم وحواء في الماضي السحيق،
ولكنني …
سأنهض بنعمة الحياة الجديدة
التي أشرقت لي في المسيح يسوع،
سأعاين النور المُتسلِّل من بين صخور الظلمة،
وإن سِرْتُ في وادٍ يغطيه ظل الموت،
فلن أخاف ولن أرتعب ولن أخور ولن أستسلم؛
فلتجرحني سهام الأعداء كما تشاء
ولكننى لن أترك المعركة وأختبِئ،
فستكون جراحاتي هي الشاهد على جهادي
يوم استعلان مجد المسيح.