أَعْرفُ يا أخوتي وأخواتي بأنّ عند هذه النقطةِ فى قراءتكِم، لَنْ يكُونَ هذا سهلَ. أنه ليس مشروعَ صغيرَ أن تُفصل النفس عن كُلّ شيءِ لمصلحة الآخرين. أن ذلك لأمر بطوليُ! ذلك كل ما يدور حوله الباحثُون عن القداسةِ وكل المُعَمَّدون يَجِبُ أَنْ يُجاهدوا كي يَكُونوا قدّيسَين.
إذا كَانَ لديكم الشجاعةُ للمُوَافَقَة علي ذلك، لا تسْمحُوا لأيّ شئِ أن يُعيق طريقِكَم. أنكم سَتُواجهُون لحظاتَ فيها الكثيرَ من الظروف وكثير مِنْ الأشخاصِ, أحباء وغير أحباء، معروفين ومجهولين، من نفس ديانتكم ومِنْ ديانات أخرى، من بَلَدِكَم ومِنْ أراضي أخرى, سَيُحاولونَ إيقاْفكم. فى هذه اللحظةُ تكون فضيلةُ المثابرةِ ضروريةُ جداً.
كيف ستَفعلون ذلك…؟ لديكم الضمانُ أن السيد المسيح تَركَ لكم كنيسة لترْشدكم عندما لا تَعْرفُون فى أَيّ طريقَ ينبغي أن تسلكوا، لترَفْعكم عندما تَسقطون، لتغُفْر لكم في اسمِه، لترحب بكم عندما تَنْشدُون ملجئاً لنفوسكم، لتَشكلكم بكلمتِه ولتَغْذِيكم بجسدِه ودمِّه … لكي تستطيعوا أَنْ تُكونوا امتداد له, علامة ظاهرة عنْ حضورِه الحيِّ لكي تستطيعوا أَنْ تُشعوا بتلك النقاوةِ والتألقِ. ذلك هو طابعُ شهودَه، أولئك الذين تَلقّوا شرارة نوره ومحبِّته.
إن استحقاقاتنا لا تَستطيعُ إنْقاذنا لأننا ليس لدينا أيّ استحقاقات مقابل ضخامةِ القدرة الإلهية. نحن لَنْ نُنقَذَ لأننا كُنّا أباءَ وإخوةَ وأخواتَ وأبناءَ وبناتَ أَو أصدقاءَ صالحين. إن ذلك هو التزامُنا. نحن سَنُنقذُ لأن المسيح أحبنا وسَيحبنا ويَنتظرُنا أن نقبله في حد ذاته. إن هذا الحبِّ باستحقاقاتِه اللانهائيةِ فاز لنا بالمغفرة. لقد طَلبَ هذا مِنْ أبّيه من على الصليبِ.
كثير من المرات يكون لومَ ضميرِنا عظيمُ جداً لكوننا اقترفنا إثماً أَو لكُلّ العمر الذى عبر فى الخطيئةِ، بأنّنا لا نَستطيعُ تَصْديق أن الرب يُمْكِنُ أَنْ يَغْفرَ لنا، بأنّه فازَ لنا بالفعل بالمغفرة، مُسمّراً على صليبِ الحبِّ …
قالَ السيد المسيح بأنّنا عندما نَطْلبُ المغفرةَ عن آثامِنا بينما نصلّي أبانا الذى فى السموات .... فلنَتذكّرُ أنّه كَانَ قادر على طَلَب المغفرةِ لنا لأنه لمَ يشَعرَ بالمرارةَ ضدّ أي شخص …
النفس البسيطة والمتواضعة هى فقط القادرة على طَلَب المغفرة عن إهاناتِ الأعداء. إن ذلك يَستلزمُ مزيد من القوّةً والاستسلام، يستلزم ذلك نَزْع الغرائزِ الأساسيةِ التي تَنْشدُ ما هو معتاد ألا هو الثأر واقتلاع الآخرين لمحاولَة البُرُوز، أَو حتى كي تبقي النفس فوق الماءِ …لكننا بالتأكيد مُلزَمون جميعاً أن نصفح عن الإهانات التى اُُقترفت ضدّنا بنفس القدرِ الذي نُريدُه من الرب أن يغُفْر لنا به.
إن قُلُنا أنّنا نَغْفرُ لهم، لكن لا ننْسي، فنحن نَطْلبُ من الأبّ أن يفعل نفس الشئ مَعنا. إن كنا نَغْفرُ من القلب لأولئك الذين أهانونا، وعندما نَصلّي، نَسْألُ الرب لأجل الغُفْران لنا كما نَغْفرُ لهم، فأننا في تلك الحالةِ، نستطيع أَنْ نَلتمسَ أن يَمْنحُنا الرب رحمتَه لكوننا تَصرّفنَا برحمةِ.
بعد ذلك قال لى السيد المسيح: " إن قلبي مُعذّبَ بالألم، أنني أشَعرَ بالشفقةِ على الإنسان الأخر الذى كان يَقاسي بجانبي. لقد أستمر الإنسان المَصْلُوب علي يمينِي، ديماس، المُسمّي اللصِّ البار" بمُرَاقَبَتي بشفقةِ، هو الذي كَانَ يَقاسي أيضاً.
بنظرةِ واحدة، زِدتُ الحبَّ في ذلك القلبِ. آثم، نعم، لكنه قادر على الإحساس بالشفقةِ الحنونةِ على إنسانِ آخرِ. ذلك الخاطئِ، قاطعِ الطريق الذي علّقَ على صليب، كَانَ مجدلية أخرى، متي آخر، زكا آخر … خاطئ آخر كَانَ يَقرُّ بى كابن الرب, ولِهذا أردتُ أَنْ يُرافقَني نحو الفردوسِ فى ذات نفس المساء، ليكون مَعي عندما أَفْتحُ أبوابَ السماءِ لدخولِ الأبرار.
تلك كَانتْ مهمّتَي وتلك هى مهمّتُكِم: أن تفَتْحوا أبوابِ السماءِ أمام الخطاة، أمام التائبين، أمام الرجالِ والنِساءِ القادرين على طَلَب المغفرةِ، كي يَضْعون رجائهم على وجودِ الحياةِ الأبديّةِ ويَضِعونَ ذلك الرجاء بجانب صليبِي …
ديماس، اللصّ البار علي يمينِي وجيستاس، اللصّ الشرير علي يساري. الذي على يساري ممتلئ بالكراهيةِ؛ الذى على يمينِي، تَغيّرَ في لحظةِ بسماعي أَقُولُ تلك الكلماتِ: أبّتاه، اغْفرُ لهم، لأنهم لا يَعْرفونَ ما يَفعلونَ .
ذلك الرجل أمام حضورِي الهادئِ، أمام ألمي، لكنه لَيسَ يائسَ, وجودي كحاملِ السلامِ أشَعرهَ بعديد مِنْ الأشياءِ تَنكسرُ داخله. لم يعد هناك أي موضع للكراهيةِ بعد. لم يكن هناك موضع للخطيئةِ ولا للعنفِ ولا للمرارةِ.
فقط القلب الصالح هو القادر على تمييز ما يَجيءُ مِنْ السماءِ. ديماس ميز ذلك. لقد كُنْتُ أَطْلبُ المغفرةَ لأولئك الذين كَانوا يَصْلبونَني. كُنْتُ أَطْلبُ الرحمةَ لخطاة مثله. وانفتحتْ نفسه الصَغيرةَ لتقبل تلك الرحمةِ.
لِهذا، عندما سْمعُ جيستاس، اللصّ الشرير، يَقُولُ بشكل هازئ لي إن كُنْتُ ابن الربَ فلأنقذ نفسي وأنقذهم. شْعرُ ديماس بمخافَة الرب. أنه يَعْرفُ أنّ حياتَهم كَانتْ بائسةَ، رديئة للغاية، يعرف أنّهم قد يستحقّون ألم أعظم مِما كَانوا يَجتازونه.
ذلك الخوفِ، ذلك التمييز للنور الذي كَانَ يَُشرق أمامه، جْعلُه يُجاوبُ "ألا تَخَاف الرب، أنت الذى تَقاسي تحت نفس العقوبةِ؟ وها نحن نقاسى بعدل، نَحن نستحقُّ ذلك بسبب أعمالِنا، لكن هذا لم يفعل شيءَ خطأ . "
عند هذه النقطةِ، سَمحَ لى الرب أن أشَهدَ النظرةِ التي تَبادلَها مَع اللصِّ البار, لقد كانت نظرة امتنان، نظرة مغفرةِ , نظرة أبّ مسرور مِنْ الرَدِّ المُعطىَ مِن قِبل ابنه. هناك الآن مشهد جديد أمام عيناي وفْهمُت أنّ السيد المسيح يَسْمحُ لي أن أشَهدَ ما كَانَ يَتذكّرُه، الذي حَدثَ ليس منذ عهد قريب، عندما بَدأَ يعَيْش بين تلاميذه … رأيت السيد المسيح يختارُ أتباعَه. واحداً بعد الآخر، يَنْظرُ إليهم بعمق، بمحبّة لكن بِحزم، بسلطة لطيفة، تلك السلطةِ الغير نابعة من أهمية الذات، وكان من ثمار هذه النظرة هذا الاقتناع أمام من لا يُستطيع أحد أَنْ يرْفضَه. ومن يَدْعوهم أن يتّبعونه.