كيف تتكوَّن العادة؟ تتكون العادة في غفلة من الإنسان، فبينما هي يسلك بطريقة يكتشف مع الوقت أنه أصبح أسيرًا لبعض المواعيد والعادات تجذبه إليها اجتذابًا، وفي البداية يكون ذلك برضي منه وربما دون تضرر، وقليلا قليلا تجد تلك العادات لها فيه موضعا مع الوقت، ورسوخا في الوجدان ونصيبا في الجهد، فعندما يتعرض الإنسان لآلام شديدة إثر جراحة في المستشفي وإثر حادث أليم ويضطر الأطباء عندئذ إلي حقنه بالمورفين مثلًا، فإن ذلك يكون بمثابة مسكن في البداية، أما تكرار الحقن فإنه يشكل بالنسبة له عادة تسللت في غفلة منه بحيث لا يستطيع بعد ذلك الاستغناء عنه بل يصبح في حالة يرثي لها متى حل موعد الجرعة. وهذا هو ما يسمي بالإدمان حيث يطرأ التغيير الكيميائي علي خلايا الدم في جسم الإنسان الأمر الذي يحتاج إلي خطة طويلة المدى في سبيل العلاج بل قد يؤدي الأمر إلي الموت متى حاول المريض الانقطاع فجأة عن تعاطي المخدر، وهذا بعكس التعود حيث العلاج إلي قوة إرادة تسندها نعمة. و قد تتكون العادة من خلال التقليد والتأثر بالآخرين، فإذا ما قلد المخدوم في مدارس الأحد خادمه في وضع يديه أثناء الصلاة مثلا فإن ذلك يصبح عادة لديه ولربما رافقته بقية حياته، وما يقال عن وضع اليدين عند الصلاة يقال أيضا عن طريقة الكلام والسير وتسريحة الشعر... الخ، ويمكننا الآن ملاحظة أن كثيرا من عادتنا التي أصبحت جزءا من شخصياتنا، يرجع مصدرها إلي التقليد (المحاكاة) في سن مبكر. ومن بين أسباب تكوين العادة، الربط بين موعد وتصرف وبين شخص وتصرف، بحيث متى حل الموعد ووصل الشخص إلي المكان وتقابل مع ذلك الشخص أتي سلوكا بعينه، فهناك من الناس ما أن يستيقظ من نومه حتى يتجه بطريقة محسوبة بدقة إلي المطبخ ثم يتناول إناء تحضير القهوة ليضعه تحت صنبور المياه ثم يضع فيه بعضا من اللبن والسكر، كل ذلك بكميات محسوبة بدقة، ثم يشعل النار تحت الإناء، ما أن يتم تحضيرها حتى يحملها (ربما في سآمة وملل) إلي كرسيه، يجلس ليرتشفها، وربما دون وعي ولذة، بل ودون الحاجة أصلا إلي القهوة، بل ربما يتركها حتى تبرد دون أن يمسسها، كل ذلك يتم بطريقة محسوبة، نفس عدد الخطوات.. نفس عدد الحركات.. وربما لو صور عدة لجاءت متطابقة!!!