نزوله من السماء
1 قال السيد المسيح في حديثه مع اليهود:
" أنا هو الخبز الذي نزل من السماء" (يو6: 41).
وقال إنه بهذا معطى الحياة "لأن خبز الله هو النازل من السماء، الواهب حياة للعالم" (يو6: 33). وكرر عبارة "نزلت من السماء" (يو6: 38). وفسر نزوله من السماء بقوله:
2 " خرجت من عند الآب، وأتيت إلى العالم".
" وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28). وركز على عبارة خروجه من عند الآب بقوله لتلاميذه " الآب يبكم لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أنى من عند الآب خرجت" (يو16: 27). وكرر هذا المعنى أيضًا في حديثه مع اليهود (يو8: 42).
3 إذن هو ليس من الأرض، بل من السماء، وقد خرج من عند الآب.
هذا هو موطنة الأصلي. أما وجوده بين الناس على الأرض بالجسد، فلذلك لأنه " أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد في شبه الناس" (في2: 7). ولكنه لابد أن يصعد إلى السماء التي نزل منها. أما عن هذه الأرض، فهو كائن قبلها، بل هو الذي أوجدها، لأن " كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كلن" (يو1: 3) أما هو فقد كان في الآب منذ الأزل، وهذا هو مكانه الطبيعي، بل هذه مكانته...
4 ونزوله من السماء وصعوده إليها، أمر شرحه لنيقوديموس، فقال:
ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 13).
والمقصود بالسماء هنا سماء السماوات، التي لم يصعد إليها أحد، ولم ينزل منها أحد، إلا المسيح باعتباره أقنوم الابن " الكائن في حضن الآب" (يو1: 18) في سماء السماوات حيث عرش الله، كما قال في العظة على الجبل إن السماء هي كرسي الله (متى5: 34) أي عرشه. وقوله " ابن الإنسان الذي هو في السماء " معناها أنه كائن في السماء، بينما هو على الأرض يتكلم، مما يثبت لاهوته أيضًا لوجوده في السماء وعلى الأرض في نفس الوقت.
ومعجزة صعوده إلى السماء (أع1: 9) هي تأكيد لقوله لتلاميذه " أيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28).
5 وهو ليس في السماء كمجرد مقيم، إنما له فيها سلطان:
فقد قبل إليه روح القديس اسطفانوس أول الشمامسة الذي قال في ساعة رجمه " أيها الرب يسوع اقبل روحي" (أع7: 59). وهو الذي أدخل اللص إلى الفردوس أي السماء الثالثة (2كو12: 2، 4) إذ قال لهذا اللص " اليوم تكون معي في الفردوس" (لو23: 43). من هو الذي يقبل الأرواح، وله السلطان أن يدخلها إلى الفردوس إلا الله نفسه؟! وهكذا كان المسيح.
6 وهو الذي أعطى الرسل مفاتيح السماء أيضًا:
فقال لبطرس ممثلًا لهم "وأعطيهم مفاتيح ملكوت السموات" (متى16: 19). وقال للتلاميذ جميعًا " كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (متى18: 18). وهنا نسأل من له سلطان أن يسلم مفاتيح السموات للبشر، ويعطيهم سلطانًا أن يحلوا ويربطوا فيها سوى الله نفسه؟!
7 ومن سلطان المسيح في السماء، أنه تسجد له كل القوات السمائية.
وفي هذا يقول الرسول " لكي تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء، ومن على الأرض؟" (في2: 9). وسجود الملائكة له دليل على لاهوته. وقد قال عنه الرسول أيضًا:
8 إنه أعلى من السموات، وإنه في السماء يشفع فينا:
فقال " إذ هو حي كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات" (عب7: 25، 26).
إذن من علاقة المسيح بالسماء، يمكن إثبات لاهوته بدلائل كثيرة.