عندما طعن الجندى السيد المسيح على الصليب خرج من جنبه دم وماء. والدم يعطى معنى الفداء. ولكن كيف ننال نحن هذا الفداء؟ نناله بالمعمودية. الفداء قدمه لنا الدم (دم المسيح). ونحن ننال استحقاقات هذا الدم بالميلاد من الماء والروح.
وفي موت الإنسان في المعمودية يموت إنسانه العتيق القديم وفي خروجه من مياه المعمودية يخرج إنسان جديد على شبه المسيح. في مياه المعمودية يغطس ابن الإنسان الملوث بالخطية الأصلية التي لجده آدم ويقوم ابنًا لله الذي أخذ بالمعمودية نعمة التبني.
ولكي ينزل الإنسان للمعمودية ينزع عنه ثيابه إشارة إلى نزع الطبيعة العتيقة منه، وفي خروجه من المعمودية يلبس ثيابًا بيضًا إشارة إلى ثوب البر الذي لبسه بالمعمودية ويضعوا على ثيابه البيض زنارًا أحمر إشارة لأن هذا البر تم بدم المسيح (رؤ14:7). وفي موت الإنسان في المعمودية يرمز إلى قطعه من الزيتونة العتيقة وفي خروجه من المعمودية يرمز إلى تطعيمه في الزيتونة الجديدة (رو17:11).
وعن عملية الموت والقيامة في المعمودية قال الرسول مشبهًا المعمودية بالختان "وبه أيضًا ختنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح مدفونين بالمعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله (كو11:2، 12). وبهذا كان الختان في العهد القديم رمزًا للمعمودية في العهد الجديد من حيث هو قطع جزء من جسد الخطية وموت هذا الجزء إشارة لموت الإنسان مع المسيح. وبهذا يأخذ الختان معنى روحي في الموت عن جسد الخطية.
من كل هذا يتضح أن المعمودية ليست مجرد شكل أو علامة إنما هي حياة جديدة أخذها الإنسان بعد أن مات عن الحياة القديمة. وعملية الموت والقيامة تتم بعمل سري بفاعلية الروح القدس في الإنسان. ولذلك نحن نستدعي الروح القدس بصلوات الكاهن لكي يقدس مياه المعمودية فتصبح قادرة على تقديس الإنسان الذي ينزل فيها. وعملية التقديس هذه هي عملية سرية غير منظورة تتم عن طريق العمل المنظور في المعمودية. فالروح القدس إذًا يحل على مياه المعمودية كما كان روح الله يرف على المياه في العهد القديم. ففي اليوم الأول كان يرف على المياه فأوجد خليقة جديدة. هكذا روح الله على مياه المعمودية يوجِد طبيعة جديدة للإنسان المعتمد.
وطالما المعمودية هي موت مع المسيح فاللص اليمين مات فعلًا مع المسيح. والشهداء غير المعمدين في ماء المعمودية اعتمدوا بمعمودية الدم فهم ماتوا مع المسيح باستشهادهم.
وليس معنى الطبيعة الجديدة أننا نفقد حرية الإرادة، فالإنسان يمكنه أن يخطئ. لكن المعمودية أعطت للإنسان طبيعة جديدة، ولكن يبقى للإنسان حرية الإرادة أن يختار بين البقاء كخليقة جديدة أو يعود للعتيقة [راجع تفسير (رو6)]. والروح القدس الذي نحصل عليه في سر الميرون يبكت المعمد إذا أخطأ ويعطيه معونة ويجذبه للرجوع إلى الله (رو8: 26). فالمعمودية قوة سرية داخلية وليست شيئًا ملموسًا.
المعمودية هي أيضًا غسل من كل الخطايا سواء الأصلية أو الفعلية أو حتى التي نسيها الإنسان أو التي يجهلها. هي تطهير وتقديس للإنسان. يخرج الإنسان من المعمودية بلا خطية. هي الخطوة الأولى لخلاص الإنسان. وقد شبهها بطرس الرسول بفلك نوح "الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية، لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح (1بط20:3، 21). أي أن المعمودية ليست حميمًا للجسد فقط إنما هي غسل للنفس أيضًا أسماها الكتاب "غسل الميلاد الثاني" (تي5:3) وقال أيضًا "بغسل الماء بالكلمة" (أف26:5) ولاحظ قول حنانيا لشاول الطرسوسي (بولس الرسول) "قم واعتمد واغسل خطاياك" (أع16:22).
والمعمودية ولادة جديدة من فوق، من الماء والروح كما قال السيد المسيح لنيقوديموس (يو5:3) وبغيرها لا يمكن أن يدخل أحد ملكوت الله (يو5:3). لذلك قال المسيح من آمن واعتمد خلص (مر16:16). وحيث أن الإنسان يولد من الروح القدس، والروح القدس هو الله، فبها يصير الإنسان ابنًا لله. أما البروتستانت فيرون أن البنوة لله تأتي بالإيمان والمعمودية مجرد علامة. لكن المسيح قال "يجب أن الإنسان يولد من الماء والروح".. وليس الروح فقط. لذلك فالماء في المعمودية بعد الصلاة لا يظل ماءً ساذجًا إنما يعطيه الروح القدس قوة خاصة.
ولنفهم ذلك لنقارن قول يوحنا المعمدان "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت3: 11) مع قول السيد المسيح "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح...." (يو3: 5)، ففي الآيتين نجد الروح القدس في كليهما بينما في إحداهما نجد الماء، وفى الأخرى نجد النار. إذاً نستنتج أن الماء قد تغيرت طبيعته وصارت له طبيعة نارية لها فعل الإحراق والتطهير بعمل الروح القدس روح الإحراق (اش4: 4).