( 7) التناقضات في أسماء الحجارة الكريمة:
يمكننا أن نستنتج من القائمة السابقة، أن عدم التوافق في الأسماء المتقابلة يرجع إلى:( 1) أن هناك ترجمات مختلفة في عدة حالات للكلمة العبرية الواحدة، أو
( 2) أن النصوص العبرية التي أخذت عنها الترجمة السبعينية، كانت تختلف فيما يتعلق بأسماء الحجارة الكريمة عن النصوص التي أخذت عنها الفولجاتا، أو
( 3) أن حجارة صدرة رئيس الكهنة كانت تختلف باختلاف العصور، أو
( 4) أن أحد أو كلا الوصفين الذين أوردهما يوسيفوس غير صحيح.
والأرجح أن كل هذه الاحتمالات قائمة بالفعل.
( أ) اختلافات الترجمة السبعينية: يمكن الاستدلال على أن الترجمة السبعينية لم تكن دقيقة تمامًا عند ترجمة أسماء الحجارة الكريمة من العبرية إلى اليونانية في زمن تلك الترجمة، حيث أنها استخدمت عدة أسماء لنفس الحجر الواحد. "فشهام" في العبرية وهو الحجر الثاني في الصف الرابع في الصدرة ورد منفردًا في عدة مواضع، حيث لا مجال لاحتمال الخلط بين الأسماء، كما يحدث عندما تذكر المصطلحات الفنية متقاربة، وبخاصة إذا كانت غير واضحة المعنى أمام المترجم. فترجمت كلمة "شهام" العبرية (وهي "الجزع" في العربية) إلى "لابيس أونيكينوس" في الفولجاتا، لكنها تترجم في سفر أيوب (28: 16) إلى "لابيس ساردونيكس" ("الجزع الكريم" في العربية). ولذلك فالأرجح أن يكون اسم هذا الحجر هو "شهام" في الأصل العبري للترجمة اللاتينية لجيروم ( الفولجاتا)، وأيضًا في الأصل العبري للترجمة السبعينية، إلا أنه في الترجمة السبعينية ترجمت الكلمة "شهام" إلى "سوام" في أخبار الأيام الأول (29: 2 بالعربية "جزع") مما يدل على أن من قام بترجمتها لم يكن على دراية بالمقابل اليوناني لكلمة "شهام" فقام بنقلها كما هي حرفيًا في اليونانية.
ويبدو من هذه الاختلافات أن الترجمة السبعينية قام بها مترجمون مختلفون حتى بالنسبة للإصحاحات المختلفة من نفس السفر، ولم يبذلوا جهدًا للتوفيق فيما بينهم عند ترجمة المصطلحات الفنية.
( ب) التغيير في الصدرة: ربما كانت الصدرة المستخدمة في زمن الترجمة السبعينية (حوالي 280 ق. م.) تختلف عن المذكورة في سفر الخروج، ولعل تاريخ الأمة اليهودية فيه ما يؤيد ذلك، فقد سقطت أورشليم في قبضة "شيشنق" ملك مصر حوالي 973 ق. م. وفي يد نبوخذ نصر ملك بابل حوالي 586 ق. م. ثم في يد بطليموس سوتر ملك مصر حوالي 320 ق. م. ولعل الصدرة الأصلية المذكورة في سفر الخروج قد أخذت بين الغنائم في مرة من هذه المرات، لما حوته من حجارة كريمة، ولعلها اختفت فيما بعد إلى الأبد.
أما في الفترة ما بين الترجمة السبعينية وعصر يوسيفوس فقد سقطت أورشليم أكثر من مرة في يد أعدائها، ففي 198 ق. م. استولى عليها أنطيوكس الكبير. وفي عام 170 ق. م. اقتحم أنطيوكس إبيفانس المدينة ونهب الهيكل. أما كراسوس فقد دنس الهيكل في 54 ق. م. فلعل الصدرة التي عرفها يوسيفوس لم تكن هي ذاتها التي كانت مستخدمة في زمن الترجمة السبعينية.
فإذا كانت مدلولات الأسماء العبرية للحجارة لم تنتقل من جيل إلى آخر بكل دقة وبخاصة في أوقات اختفاء الصدرة (كما في أثناء السبي البابلي مثلًا)، أو أن الحجارة التي كانت في الصدرة الأصلية لم تكن متوفرة عند إعادة عمل صدرة جديدة، فلم يكن هناك مفر من حدوث اختلافات في الصدرة في العصور المختلفة. فإذا تأملنا الحجرين الموضوعين على كتفي رداء رئيس الكهنة، نجد أنهما حسب الترجمة السبعينية كانا من "الزمرجدوس" ( وهو الزمرد في العربية، أخضر اللون) بينما يذكر "يوسيفوس" أنهما كانا من الجزع العقيقي (ساردونوكس أحمر اللون مع شيء من البياض خر 28: 9، 39: 6). وهذا الاختلاف التام في اللون بين الزمرد (زمرجدوس) وبين الجزع العقيقي (ساردونوكس)، لا يرجع على الأرجح إلى خطأ في الترجمة السبعينية للاسم العبري " شهام "، وإنما لاختلاف نوعي الحجر ذاته، الذي ربما كان زمردًا أخضر في وقت الترجمة السبعينية، وكان من الجزع ( الأحمر مع طبقة بيضاء) في عصر يوسيفوس.
( ج) وصف يوسيفوس: إن المقارنة بين النصوص العبرية لمختلف الترجمات مع ما أورده يوسيفوس من وصف، لهو أمر بالغ الأهمية كما يتضح مما يلي:
الحجر الثاني في الصف الثاني واسمه بالعبرية " صفِّير" (وبالعربية: الياقوت الأزرق) يترجم في السبعينية باسم "سافيروس" وفي اللاتينية لجيروم باسم "سافيروس" أيضًا، وأينما ورد اسم "صفِّير" في النص العبري، ترجمته السبعينية واللاتينية باسم "سافيروس" فهي بذلك في اتساق تام مع النص العبري. ومن المؤكد أن الاسم اللاتيني "سافيروس" مأخوذ عن الاسم اليوناني (سافيروس)، الذي يبدو أنه مأخوذ من الاسم العبري (صفير).
وليس ثمة ما يدعو إلى الشك في أنه منذ وقت الترجمة السبعينية حتى وقت ترجمة جيروم للفولجاتا، لم تستخدم كلمة "سافيروس" مطلقًا إلا للدلالة على نوع واحد من الحجارة، وأن هذا النوع لم يطلق عليه اسم "إياسبيس" قط، إلا أن يوسيفوس يذكر في كتابيه أن الحجر الأوسط من الصف الثاني هو "إياسبيس" (اليشب) وليس "سافيروس"، بينما يذكر أن "سافيروس" هو الحجر الأخير من نفس الصف. ومع أن النصوص العبرية كلها قد أعطت نفس الاسم للحجر الثاني من الصف الثاني في الصدرة، إلا أن يوسيفوس يخالف ذلك، وعليه فلا يمكن الاعتماد على المقارنة بين وصف الصدرة في العبرية والترجمتين السبعينية واللاتينية، ووصف يوسيفوس لها، لاستخلاص المقابل اليوناني أو اللاتيني الصحيح للاسم العبري لأي حجر من الأحجار.
كما نلاحظ أن يوسيفوس ذاته يقدم وصفين مختلفين في كتابيه فيما يتعلق بترتيب الحجارة في الصفين الثالث والرابع، فترتيب الحجارة في الصف الثالث معكوس تمامًا، والترتيب في الصف الرابع هو: كروزوليثوس، أونوكيون، بيروليون في كتاب الآثار، أما في كتاب حروب اليهود فهو: أونوكيون، بريليون، كروزوليثوس.
وقد كتب يوسيفوس كتاب "الآثار" بتمهل كبير عن كتاب "حروب اليهود"، ولم يستكمله إلا بعد ثمانية عشر عامًا، فتوفر له الوقت للرجوع إلى المخطوطات القديمة، فهو بعامة أدق في تسجيل تاريخ الأزمنة التي لم تكن لديه معرفة مباشرة بها، وعليه يمكن الاعتماد عليه أكثر من كتاب " الحروب". ويختلف كتاب الآثار عن الترجمة السبعينية في وضع الحجرين الثاني والثالث في الصفوف الثاني والثالث والرابع. فقد وضع كلا منهما موضع الآخر. ولعل يوسيفوس قد كتب الترتيب من الذاكرة عن الترجمة السبعينية، أو عن واقع رؤيته الفعلية للصدرة.
( د) ويذكر الكتاب المقدس أسماء أحجار كريمة غير ما ورد في القوائم السابق ذكرها، مثل الماس (إرميا 17: 1، خر 3: 9)، واللؤلؤ (أي 28: 18، أم 3: 15، 8: 11، مت 13: 45، 1 تي 2: 9، رؤ 17: 4، 18: 12، 12: 21).