(6) البدلية والتضامن
وكما هو متوقع هناك النقد العقلاني الذي يقول بأن الذنب غير ممكن نقله من شخص لشخص، وأن البدلية الموصوفة، إن كانت حقيقية، ستكون غير أخلاقية، فعلى نموذجنا الآن إستحضار وصف بولس لربنا يسوع المسيح كالإنسان الثاني وآدم الأخير، الذي شملنا في حمله للخطية بالحقيقة كما شملنا آدم في خطيته (1كو15: 35؛ رو5: 12). لقد رأي لوثر البدلية العقابية، التي هو رائد صياغتها، وكل من أتوا بعده مؤسسة على التضامن الوجودي، وعلى أنها “لحظة واحدة” في السر الأكبر الذي أسماه لوثر “البدلية العجيبة”[i]، وأطلق عليه د. مورنا لقب “التبادل في المسيح”[ii]، في هذا السر هناك أربع “لحظات” يمكن تمييزها:
“اللحظة” الاولى هي التجسد لما أتى إبن الله لوضعنا البشري، “مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ” (غل4: 4).
و”اللحظة” الثانية كانت الصليب، كما قال كل من لوثر وكالفن، حيث حمل يسوع هويتنا[iii] وعلى نحو فعال شملنا فيه جميعاً في موته – كما يقول بولس، “إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا” (2كو5: 14). ليست المشاركة في موت يسوع هي نوع من الروائية القانونية التخيلية، ولا تركيب لغوي ليس له واقع حقيقي متصل به؛ إنه جزء من الحقيقة المعلنة عن المسيح، السر الذي “هناك” سواء أدركناه أم لا. والآن ففي بدلية المسيح معنا، وهي حصرية في جعل الكفارة عمل خاص به وحده بالكامل ولا يعطينا مجال لمشاركته فيها، بقدر ما هي وجودية موضوعية، وفي شكل يسمو عن قيود المكان والزمان، أخذنا المسيح معه في موته ومن خلال موته لقيامته. لذا فمعرفتنا لموت لمسيح لأجلنا كبديل لنا حامل خطيتنا يتطلب أن نرى أنفسنا كأموات، مقامين، وأحياء للأبد فيه، نحن الذين آمنا قد متنا – بدون ألم وبشكل غير مرئي، يمكننا أن نقول – بالتضامن معه لأنه مات، متألماً، مشهراً به، كبديل لأجلنا. جلب لنا موته غفران الخطايا التي إرتكبت “في” آدم كما أنه “فيه” يمكننا التمتع بقبول الله؛ موتنا “فيه” يجلب لنا الفكاك من وجودنا الذي عرفناه “في” آدم، حتى أننا “فيه” نقام في الحياة الجديدة ونصبح مخلوقات جديدة (رو5-6؛ 2كو5: 17، 21؛ كو2: 6-3:4).
واللحظة الثالثة في هذا التبادل يأتي لما، بواسطة الإيمان وبعطية الروح القدس من الله، نصبح نحن “بر الله” و”أغنياء” – أي، مبررين من الخطية ومقبولين كوارثين لله في ومع المسيح – بفضل ذاك الذي “إفتقر” لأجلنا في التجسد و”جُعلَ خطية” لأجلنا في بدلية عقابية على الصليب (2كو5: 21، 8: 9).
واما اللحظة الرابعة، ستأتي لما يسوع المسيح بذاته، المرفوع في المجد، بعدما إتضع حتى الموت لأجلنا، يظهر لكي “يُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ” (في2: 5-11؛ 3: 21)
في بعض الأحيان وبالعلاقة مع هذا السر واسع الإدراك للتضامن والتبادل، وهو يرى بصورة كاملة، تثار فكرة الإنتباه للمسيح “كالرائد” (أركاجوس: عب2: 10، 12: 2) الذي من الأفضل دعوته “الممثل” أو “الباكورة” للبشرية الجديدة، عن أن يقال بدلينا.[iv] بمقدار ما يتمركز خط البدلية حول تجديدنا إلي صورة المسيح، فهذه النقطة تقبل بكل سهولة، على أن ترى أيضاً بالعلاقة مع البدلية، فالمسيح كذبيحة للعملية العقابية لابد أن يدعى بديلنا، وحيث أن الهدف والتأثير المطلوبة لآلامه هو بكل دقة التأكيد أن لا آلام من هذا النوع – لا ترك من الله، ولا نبذ – يمكن أن تبقى علينا. وفي ضوء المناقشة السابقة[v] نحن قد وضعنا الأساس لكي نترك الإقتراح بأن ندعو موت المسيح تمثيلياً أكثر منه بدلياً لأن الإثنين متداخلين متشابكين، حيث أن هذا (التمثيل) يقترح، أولاً، أن نختار نحن المسيح لكي يتصرف لأجلنا، ثانياً، أن الموت الذي متناه فيه هو نفس الرتبة من الموت التي ماتها لأجلنا، وثالثاً، أننا بموتنا مع المسيح نكفر عن خطايانا – وكل هذا زيف. والآن ها سبباً أخر لرفض هذا الإقتراح – بالتحديد، أنه يخطئ أو يفشل في نقطة ان ما تحمله المسيح على الصليب كان الترك الإلهي الخاص بالدينونة العقابية، التي لن نحتاج أبداً ان نتحملها لأنه قبلها في مكاننا. إن الصياغة المناسبة هي أن علاقة يسوع التمثيلية لأجلنا على الصليب، كآدم الأخير الذي نحمل صورته، أخذت طابع البدلية لأجلنا تحت الدينونة، كعبد يهوه المتألم الذي “الرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا” (إش53: 6).[vi]إن الفكرتين، التمثيل والبدلية، يكملان بعضهما البعض، وكل منهما له إحتياج هنا.
[i] هناك إقتباسان يعطيان وجهة نظر لوثر هنا. الاولى هي من شرحه للمزمور 22: “هذا هو السر الغني في النعمة الإلهية للخطاة: والذي فيه وعن طريق تبادل عجيب لم تعد خطايانا خطايانا بعد ولكنها أصبحت على المسيح: وأصبح بر المسيح ليس بره بل برنا. لقد أخلى نفسه من بره حتى يلبسنا إياه، ويملأنا به: ولقد أخذ شرورنا على نفسه حتى يخلصنا منها… وبنفس الشكل لأنه حزن وتألم في خطايانا، وإضطرب، فبنفس الشكل نحن نفرح ونفتخر في بره” (Werke(Weimar, 1883) والإقتباس الثاني من رسالته الرعوية لجورج سبيلين: “تعلم المسيح وإياه مصلوباً. تعلم أن تصلي متأملاً فيه وتاركاً نفسك، قل: ~أنت، ايها الرب يسوع، هو بري، وأنا خطيتك. أنت أخذت على عاتقك ماهو لي وأعطيتني ما هو لك. انت أخذت على عاتقك ما لست أنت عليه وأعطيتني ما لم أكن عليه~” (Letters of Spiritual Counsel, ed. Theodore C. Tappert (Library of Christian Classics) SCM Press, London (1955) 110.
[ii] Article in JTS 22 (1971) 349-361.
[iii] يقدم لوثر هذا بشكل دراماتيكي جذيل، كما هي طريقته دائماً. “كل الأنبياء رأوا بالفعل في الروح، أن المسيح لابد أن يكون كأنه أعظم الخطاة، القتلة، الزناة، السراق، المتمردون، المجدفون، إلخ، الذين أتوا للعالم … لأنه بكونه جعل ذبيحة، للخطايا للعالم أجمع، ليس الآن إنساناً بريئاً وبدون خطايا … فإن آبانا الغني في الرحمة … أرسل إبنه الوحيد للعالم ووضع عليه خطايا الناس جميعاً، قائلاً: كن أنت بطرس المنكر، وبولس المضطهد، المجدف والمقاوم القاسي، وداود الزاني؛ نفس الخاطي الذي أكل الثمرة في الجنة؛ اللص الذي علق على الصليب؛ وبإختصار، كن كالإنسان الذي إرتكب خطايا كل البشر جميعاً؛ وأنظر أن تدفع وتوفي من أجلها. والآن يأتي الناموس ويقول: إنه خاطئ … لذا فليمت على صليب…”(Galatians,ed. Philip S. Watson, James Clarke, London (1953) 269-271; on Gal. 3:13). ويشدد آولين (Christus Victor,chapter VI) بصحة على ديناميكية الإنتصار الإلهي في تسجيل لوثر لأحداث الصليب والقيامة، ولكنه يتجاهل بشكل خاطئ البدلية العقابية في الألفاظ التي يصف فيها بالأساس عمل المسيح الإنتصاري. إن طبيعة إنتصار المسيح، تبعاً للوثر، أنه على الصليب كان بديلنا الذي محا خطايانا على نحو فعال متغلباً على لعنة الله ومحرراً لنا من قدرة الشيطان؛ إن قرئت معالجة لوثر الكاملة لغلاطية 3: 23 (ص268-282)، يصير هذا واضحاً جداً. إن الإضافة المطلوبة والتصحيح الحيوي للإنطباع الذي يتركه آولين، تم بواسطة عبارة بانينبرج (op. cit., 279): “ربما يكون لوثر هو الأول بعد بولس في مدرسته الذي يرى بوضوح تام موت يسوع في معناه الأصيل على أنه ينبغي فهمه على أنه آلام بدلية عقابية”. ويضع كالفين نفس النقطة في طريقته الأكثر تحديداً، معلقاً على محاكمة يسوع أمام بيلاطس. “لما تم إستدعائه أمام كرسي المحكمة، وتم إتهامه ووُضِعَ تحت ضغط بواسطة الشهود، وتم الحكم عليه بالموت بكلمات القاضي، نحن نعلم أنه بهذه الأحداث قد أدي دور (personamsustinuit) الخاطئ المذنب … فنحن نرى دور الخاطئ والمجرم متمثلاً في المسيح، على أنه من خلال براءته المشرقة يصبح بديهياً انه تحمل أخطاء أخرين وليس أخطاءه هو شخصياً … هذه هي برائتنا، ان الذنب الذي عرضنا للعقوبة قد إنتقل ووضع على رأس إبن الله …” “في كل لحظة قد إستبدلنا بنفسه ووضع نفسه مكاننا لكي يدفع ثمن فدائنا”(Inst. II. XVI. 5, 7). إنه لا يمكن تفسير أن بانينبرج (loc. cit.) يمكن أن يقول أن كالفين تراجع عن وجهة نظر لوثر للبدلية العقابية.
[iv] لتعبير “ممثل” طالعM. D. Hooker, art. cit., 358, وG. W. H. Lampe, Reconciliation in Christ, Longmans, London (1956) chapter 3; ولتعبير “باكورة” طالعD. F. H. Whiteley, The Theology of St. Paul,Blackwell, Oxford (1964) 132ff. إن الإستخدام المفضل لهؤلاء الكتاب يبدو أنه يعكس الإدراك لكل من التضمان بيننا وبين المسيح وأيضاً فشلهم لأن يلحظوا أن الغفران يستند على حمل المسيح البدلي للخطية، وذلك بالتمييز عن طاعته التي، في عبارة د. هوكر، قد رفعنا بواسطتها.
[v] Cf. pp. 22-25 above.
[vi] أش 53: 6. يلحظ جي. إس. ويل أن أغنيه هذا العبد “تكون إثنى عشر عبارات متميزة صارخة أن هذا العبد يعاني العقوبة لأجل خطية أناس أخرين: ليس فقط معاناة نيابيه ولكن بدلية عقابية أيضاً هي المعنى المباشر للآية الرابعة والخامسة والسادسة. هذه من الممكن ألا تكون عبارات دقيقة للأفكار الغربية القضائية”- وتشير حججنا السابقة تعقيباً هو، عمل ممتاز! – “ولكنها مرتبطة بالعقوبة بشكل واضح، هذه العقوبة موضوعة بأشكال مختلفة من العقاب جاز فيها هذا العبد لحساب وبدلاً من أناس أخرين، لأن الرب رتب هذا الأمر. هذا التشبيه القضائي أو القانوني للكفارة لابد من شرحه إيجابياً وسلبياً: أما كعقوبة أخذها الفادي على عاتقه، أو كتبرئه أطلقت المسجون حراً. ولكن كلاً من الشرحين له إشارة بدلية
في مكاني وقف هو مداناً