3 ـ المسيح هو اللَّه لأن له الصفات الأدبية :
قلنا إن المسيح هو اللَّه لأن له أسماء اللَّه، ثم لأن له صفات اللَّه الجوهرية، والآن نستطرد فنقول إن له صفات اللَّه الأدبية:
1 ـ القداسة :
القدوس هو الذى يسكن في نور لا يُدنى منه، فالقداسة هى كل ما ينافى الظلمة، أى أن اللَّه نور، ليس فيه ظلمة البتة، وهو لا يعرف ما ينافى القداسة. وهذه صفة أدبية لم يتمتع بها البشر، فهى من صفات اللَّه وحده. ولكن قيل عن الرب يسوع المسيح: «والقدوس المولود منكِ يُدعى ابن اللَّه» (لو 1:53). وهذا عينه ما قيل عن اللَّه: «ليس قدوس مثل الرب» (1صم 2:2). وقد قال الوحى في سفر إشعياء: «أنا الرب قدوسكم»، وهو ما ردده أيضاً الرسول بطرس عن المسيح: «اجتمع على فتاك القدوس يسوع».
والقداسة تعنى الانفصال عن الشر، والخلو من العيوب، وهذا ما قاله كاتب العبرانيين: «لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة» (عب 7:62). وقداسة المسيح له المجد جعلته يقول: «رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىّ شىء» (يو 41:03).
أى أن الشيطان ليس له في المسيح شىء، بل لقد هـرب الشيطان من أمامه وانتصر على كل الأبالسة والشياطين، فهو قـدوس، وإذ جُـرّب مثلنا في كـل شىء لم يكن في طبيعتـه ما يجعله يتـجـاوب مـع الخطـية، فقيـل عـنه إنـه «بلا خطية» (عب 4:51).
2 ـ الصـلاح :
«ليس أحد صالحاً إلا اللَّه وحده». هذا ما قاله السيد، له كل المجد، عندما جاء شاب غنى يسأله ماذا يفعل حتى يرث الحياة الأبدية (لو 81).
والصلاح يعنى الجود والإحسان المستمر، وهـذه صفة أدبية للَّه وحـده، فكـل البشر لا نستطيع أن نقول عنهم إن بينهم مَنْ هو صالح على الدوام.. يعطى بلا مقابل.
«ليس مَنْ يعمل صلاحاً ليس ولا واحد» (رو 3:21). فليس من طبيعة البشر الجود بالصلاح، ولكنها طبيعة اللَّه.. وقد كان المسيح ـ له كل المجد ـ وهو على الأرض، صالحاً.
«أيها المعلم الصالح» (لو 81:81).
«فهو لم يفعل شيئاً ليس في محله» (لو 32:14).
وهو الذى «جال يصنع خيراً ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس» (أع 01:83). فلا يوجد من بين بنى البشر مَنْ وجد في المسيح عيباً واحداً، أو اتهمه اتهاماً صادقاً واحداً، حتى أعداءه، فقد كان صلاحه منشوداً، وإحسانه معروفاً، وجوده كثيراً، مما يزيد إيماننا أنه هو اللَّه المتجسد.
3 ـ المحبـة :
لا يعرف البشر المعنى الحقيقى للمحبة، فبينما هم يحبون اليوم فإنهم قد يكرهون في الغد مَنْ يحبونه اليوم.. ويحبون اليوم مَنْ كانوا يكرهونه من قبل.. فمحبتهم متغيرة قـد تكون مغرضة، بل إنها محبة قاصرة محدودة لأن البشر هم هكــذا.
أما اللَّه فمكتوب عنه «اللَّه محبة» (1يو 4:8). وهذه الصفة الأدبية الهامة لم نرها في أحد من البشر، إلا أننا عندما جاء رب المجد يسوع إلى هذه الأرض بين لنا محبة اللَّه في شخصه المحب، فقيل إنه «محب للعشارين والخطاة» (مت 11:91). فالمسيح أحب الخطاة، رغم كراهيته للخطية. أحب الحزانى والمتألمين، الفقراء والمساكين، بل إنه قد اجتاز دروب الجلجثة المرعبة لأنه يحبنا نحن البشر، وأكمل صورة الحب الجميل على الصليب عندما قال «قد أكمل». لأنه إذ «أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى» (يو 31:1).
أليس هذا يدعونا لنقول إن يسوع المسيح هو اللَّه؟.
4 ـ الحكمـة :
نحن نعلم أن اللَّه له المشورة والفطنة، فهو الحكيم العادل. والحكمة هى استعمال العلم للإدراك.. أجل استعمال، ولأحسن الغايات، وهذا نابع من عمق الفهم لبواطن الأمور. وتجلت حكمة اللَّه في عمل الخليقة: «ما أعظم أعمالك يارب! كلها بحكمة صنعت» (مز 401:42). والرب يسوع المسيح، عندما كان على الأرض، قيل عنه: «أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند اللَّه والناس» (لو 2:25).
وقد ظهرت هذه الحكمة واضحة في حياة الرب يسوع، في الأجوبة العظيمة لكل سؤال من المعاندين والمقاومين من الكتبة والكهنة والفريسيين، ويكفينا القول «هوذا أعظم من سليمان ههنا» (لو 11:13). فقد كان المسيح يتكلم بسلطان وحكمة جعلت البشر لا يجدون فيه علة. وكان المسيح هو حكمة اللَّه للبشرية، فوفق بين الرحمة والعدل، فكان قوة الخلاص لكل مَنْ يؤمن، إذ «صار لنا حكمة وبراً وقداسة وفداء» (1كو 1:03). إن الإله الحكيم المتجسد هو برهان على لاهوت المسيح.
5 ـ الرحمة والرأفة :
«الرب رحيم... ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة» (مز 301:8).
«اللَّه الذى هو غنى في الرحمة» (أف 2:4).
وهذا ما قيل عن الرب يسوع له كل المجد في الحديث الشيق الذى كتبه الرسول بولس: «من ثم كان ينبغى أن يشبه إخوته في كل شىء لكى يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فيما للَّه حتى يُكفر عن خطايا الشعب» (عب 2:71). فهو الذى قيل عنه إنه تحنن على الجموع عندما كانوا منزعجين «كغنم لا راعى لها» (مت 9:63). بل هو الذى تحنن على الأبرص، الذى لا يجب أن يشفق عليه، وطهره (مر 1:04).
وعلى أرملة نايين، فأزال الحزن من قلبها وأقام ابنها من الموت (لو 7:31). فهو اللَّه الرحيم الذى تجسد على الأرض ورحمته رحمة مطلقة، ولا يوجد إنسان تمتع بكل هذه الصفات مجتمعة إلا يسوع الناصرى وحده، الذى هو اللَّه العظيم الأبدى. وهناك من الصفات الأدبية الكثير كالعدل.. والأمانة.. والصدق.. والإحسان، والعديد من الصفات التى لا يتسع المجال لأن نتحدث عنها جميعاً في هذا الكُتيب الصغير، هذه الصفات قد توفرت في رب المجد يسوع المسيح لتثبت بلا شك أو بهتان أن يسوع المسيح هو اللَّه له المجد، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين آمين.
السؤال الآن هو: هل كان الشخص المبارك، يسوع المسيح هو اللَّه وأثبتت حياته ذلك بالبيان أم لا؟
لكى نثبت ذلك من كلمة اللَّه نتوجه إلى إنجيل الرسول يوحنا.. حيث يظهر لنا من خلال الحديث عن الرب يسوع في هذا الإنجيل أن أعماله هى أعمال اللَّه، إذاً فلابد أن المسيح هو اللَّه.. فإنجيل يوحنا يتكلم عن الرب يسوع «كلمة اللَّه» أو «ابن اللَّه»، وهو ينقسم في حديثه عن السيد، له كل المجد، إلى جزءين: الجزء الأول من الأصحاح الأول إلى الثانى عشر ـ وهو الجزء الذى يظهر يسوع فيه نفسه للعالم كابن اللَّه أو اللَّه المتجسد. والجزء الثانى من الأصحاح الثالث عشر حتى السابع عشر ـ وهو جزء خاص بالتلاميذ، إذ يظهر ذاته لهم من خلاله أنه اللَّه أو ابن اللَّه المتجسد.