عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29 - 05 - 2012, 11:35 PM
الصورة الرمزية sama smsma
sama smsma sama smsma غير متواجد حالياً
† Admin Woman †
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركات: 91,915

اخلى ذاته في الميلاد

من كتاب تاملات في الميلاد للبابا شنودة





عجيب هو الرب في إتضاعه ، عندما أخلي ذاته في ميلاده .
  • نزل إلى العالم هادئا بدون ضجة ، ودخله في خفاء لم يشعر به أحد ... لم يحدد من قبل موعد مجيئه .
  • وهكذا ولد في يوم مجهول ، لم تستعد له الأرض ولا السماء ، ولم يستقلبه فيه أحد . يوم ميلاده كان نكره بالنسبة إلى العالم ، مع أنه من أعظم الأيام إذ بدأ فيه عمل الخلاص الذي تم على الصليب .
ولو نزل الرب إلى العالم في صفوف ملائكته ، على سحابة عظيمة ، أو في مركبة نورانية يحيط به الشاروبيم والسارافيم ... وقد إرتجت له السموات وكل قوي الطبيعة ... أو لو أن السماء إحتفلت بميلاده ، وليس بنجم بسيط يظهر للمجوس ، بل إهتزت له كل نجوم السماء وكواكبها ... لو حدث ذلك ، لقلنا إنه أمر يليق بالرب ومجده ... !
لو أن شخصاً كان مسافراً إلى مكان ، لأرسل الرسائل قبلها ، فيستقبله الأحباء والأصدقاء والأقارب والمعارف والمريدون ، وربما يستاء إذا قصر أحد في إنتظاره أو في إستقباله ....
أما السيد المسيح فدخل إلى العالم في صمت ، بعيداً عن كل مظاهر الترحيب ، في ضجيج ، وبطريقة بسيطة هادئة ... دخل بنكران عجيب للذات ، أو في إخلاء عجيب للذات وكل الذين إستقبلوه جماعة من الرعاة المساكين ، ثم المجوس ...
  • هناك أشخاص يحبون الضجيج وبهرجة الترحيب في دخولها وفي خروجهم ، لأن فاعلية ميلاد السيد المسيح لم تغيرهم بعد ...
لم يخل السيد المسيح ذاته في هدوء مجيئه إلى العالم فحسب ، بل في كل ظروف ميلاده . فكيف كان ذلك ؟
  • ولد من أم فقيرة يتيمة ، لم تكن تجد من يعولها . عهد بها الكهنة إلى يوسف ، خطبوها له لتعيش في كفنه .
وولد في قرية هي : " الصغري بين رؤساء يهوذا " ( مت2 : 6 ) .
وسكن في الناصرة التي يعجب الناس إن أمكن أن يخرج منها شئ صالح ( يو1 : 46 ) . ودعي ناصرياً .
وعاش في بيت نجار بسيط ، حتى كانوا يعيرونه قائلين : " أليس هذا هو إبن النجار " ( مت13 : 5 ) .
وعاش ثلاثين سنة مجهولاً ، كفترة تبدو ضائعة في التاريخ . حتى الرسل لم يعتنوا أن يكتبوا عنها شيئاً تقريباً ... عاش فيها دون أن يلتفت إليه أحد ، مخفياً لا يعرف عنه أحد شيئاً ، كأي شخص عادي ... بينما تلك السنوات الثلاثون هي فترة الشباب والقوة التي يهتم فيها كل إنسان بذاته ، ويود فيها كل شاب أن يظهر وأن يعمل عملاً ...
  • أخلي الرب ذاته فعاش في التطورات الطبيعية كسائر البشر .
قضي فترة كرضيع وكطفل . ولم يستح من ضعف الطفولة ... بما فيها من إحتياج إلى معونة آخرين ، وهو معين الكل !
إحتياج إلى رعاية أم ، وهو راعي الرعاة ! إحتياج إلى إمراة من صنع يديه ، تحمله على يديها ، وتهتم به ، وهو المهتم بكل أحد . وتغذيه ، وتعطيه ليأكل ويشرب !
ومن العجيب في طفولته ، أنه أخلي ذاته من استخدام قوته . فهرب من امام هيرودس ، بينما روح هيردوس في يده ! هرب من هيرودس وهو الذي خلق هيرودس ، وأبقاه حتى ذلك اليوم . عجيب هذا الأمر ..عجيب أن نري القوي القادر على كل شئ يهرب مثل سائر الذين يهربون من الضيق ! يهرب من القتل وهو الذي يملك الحياة والموت ... وجاء إلى مصر وعاش فيها سنوات . ولم يرجع إلا بعد أن هذا الجو ، بينما كان يستطيع أن يفلت من الرجل بطريقة معجزية أو يقضي عليه ...
أخلي ذاته ، فاحتمل ضعف البشرية وهو المنزه عن كل ضعف . وسمح لنفسه أن يجوع ويعطش ويتعب وينام ، كسائر البشر ...
عجيب أن يقال عن الرب أنه في آخر الأربعين يوماً : " جاع أخيراً " ( مت4 : 2 ) . وعجيب أن هذا الينبوع الذي روي الكل يقول للسامرية : " أعطيني لأشرب " ( يو4 : 7 ) ، ويقول على الصليب : " أنا عطشان " ( يو19 : 28 ) . وعجب أن يقال عنه إنه تعب وجلس عند البشر ( يو4 : 6 ) وإنه نام في السفينة ( لو8 : 23 ) .
  • أخلى الرب ذاته كل هذا الإخلاء ، ليخزي الذين يفتخرون ويتكبرون . وكأنه يقول لكل هؤلاء : إنني لم أولد في قصر ملك ، ولا على سرير من حرير ، وإنما في مزود للبهائم . ولكني سأجعل هذا المزود أعظم من عروش الأباطرة والملوك ... سياتيه الناس من مشارق الشمس إلى مغاريها ليتباركوا منه .
ليس المكان هو الذي يمجد الإنسان ، ولكن الإنسان هو الذي يمجد المكان . والعظمة الحقيقية إنما تنبع من الداخل .
فليحل الرب في أي مكان ، ولو كان مكاناً للبهائم ، وليولد في أية قرية ولو كانت هي الصغري في يهوذا . ولكنه سيرفع من شأن كل هذا ... يولد في هذه الحقارة إلى مجد . يولد من فتاة فقيرة ، ويجعلها أعظم نساء العالم ... ويولد في بيت رجل نجار بسيط ، فيحوله إلى رجل قديس مشهور في الكنيسة ...


من كتاب تاملات في الميلاد للبابا شنودة
رد مع اقتباس