676 - كان العشاء قبل عيد الفصح . وكان المسيح يعلم ان ساعته قد جائت . وكان المسيح يحب خاصته . احب تلاميذه جميعا ً، وكان يعلم ما بقلب يهوذا . كان يعلم ان الله دفع كل شيء الى يديه وانه يمضي الى الآب حيث جاء . قام عن العشاء وخلع ثيابه وَاتَّزَرَ بمنشفة وبدأ يغسل ارجل التلاميذ ، وجاء الى بطرس ، وفزع بطرس ورفض عمل المسيح : " يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ! " ورفع المسيح وجهه الى بطرس وقال : " لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ»" ( يوحنا 13 ) كيف يفهم او يقبل ما يصنعه المسيح له : لا يا رب " لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا " وقال له المسيح : يا بطرس " إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ " وفهم بطرس وقبل وعرض أن يغسل له ايضا ً يديه ورأسه .
معرفتنا لمقاصد الله واغراضه ِ لنا محدودة ٌ جدا ً ، قاصرة ، ضئيلة . معرفتنا تتفق وحجمنا ، وامكانيتنا على الفهم والادراك والاستيعاب والقبول .
كانت الأرزة في لبنان تقف وجذورها في الجبل وارفة ً عاتية ً ً شامخة ً عالية . فروعها ممتدة واغصانها كثيفة ، خضراء باسقة كلها عز ٌ ومجد ٌ وكرامة . تقف تتحدى عناصر الطبيعة ، لا تهزها ريح او يفزعها برق ٌ أو رعد . يمر الشتاء بها كالصيف ، الخريف كالربيع ، يأتون ويذهبون وهي باقية . تحتضن اغصانها الطيور في اعشاشها ويستظل الناس بظلالها . رمز ٌ للعزة ، مثال ٌ للكرامة ، دليل ٌ لعظمة الله وجلاله في خلقها وابداعها . واذا بمن جاء يحمل فأسا ً حادا ً . اخذ يعمل بفأسه ِ في جذعها بعنف ٍ وقسوة . ضربة ً وراء ضربة . تتابعت الضربات وتوالت الطعنات والتوى الجذع ومال . وزاد الميل ، تساقطت الاعشاش وهربت الطيور وهوت الارزة وسقطت . سقطت وسط صيحات احتجاج وغضب . وكما قال النبي : " وَلْوِلْ يَا سَرْوُ، لأَنَّ الأَرْزَ سَقَطَ " ( زكريا 11 : 2 ) وحملوها واعتلت سفينة في البحر المتوسط وانتقلت الى اورشليم ، واستقبلها رجال الملك سليمان الحكيم وشذبوها وقطعوا فروعها ، وعملوا فيها وعالجوها واخرجوا منها عمودا ً عظيما ً يقف في زاوية الهيكل . وبدأت الارزة تفهم ، لم تفقد كرامتها بل نالت كرامة ً اعظم . لم تضع عزتها بل اخذت عزة ً افضل ، وحصلت على مجد ٍ وقداسة اكبر . اخذوها من جبل لبنان لتقف في قدس اقداس هيكل الله ...
مثلها ومثل بطرس لن تفهم انت الآن ما يفعل الله بك ، ستفهم فيما بعد .. قد يعمل في نفسك فأس ٌ ، قد يمر في قلبك سيف ٌ ، قد تتألم ولا تفهم ، ولكنك ستفهم فيما بعد . الله لا يُعلن لك الآن كل خطته . اقبل عمل الله وخطته ومشيئته لك .