إن بعض الكتلب الغربيين أمثال فرانك موريسون وهو محامى انجليزى ومن كبار رجال القانون الأنجليزى بالقرن التاسع عشر كتب عن السبعة أيام الأخيرة من حياة السيد المسيح ، وتعرض لملابسات محاكمة السيد له المجد نعرض بعضا مما كتبه – من كتابه : ( من دحرج الحجر ) : -
لقد جاءت كتابات كتاب البشائر الأربعة لهذه الفترة متفقة اتفاقا يسترعى الأنتباه ، كانت محاكمة يسوع وموته حادثة تاريخية مدوية تؤيدها بطريق غير مباشر كثير من الوقائع السياسية وسيل زاخر من المؤلفات التى دارت حولها .
لقد مات السيد له المجد ميتة قاسية على أيدى السلطات الرومانية ، كيف سلك فى تلك المحنة القاسية .
لعل الباحثون حول موضوع محاكمة السيد المسيح يتساءلون عن موضوع التهمة التى قامت حوله .... ما الذى أقامه المدعون عليه من التهم ؟ وإن كانت التهم متعددة ، كما هو الحال فى القضية التى نحن بصددها ، يسألون عن التهمة الحقيقية ضد المتهم الذى حكموا عليه .
أجمع المؤرخون – من نصوص ماورد بالكتاب المقدس – على أن وقت إلقاء القبض على يسوع فى بستان جثسيمانى جرى فى ساعة متأخرة من الليلة السلبقة ليوم الصلب . وهناك ما يحملنا على الأعتقاد أن ساعة القبض لم تكن قبل منتصف الساعة الثانية عشرة .
وهذا التقدير أساسه حساب الزمن الذى استغرقته الحوادث بين الفراغ من حفلة العشاء فى العلية ، وبين وصول شرذمة الجند المسلحة إلى البستان فوق منحدرات جبل الزيتون . هناك ثلاثة أشياء تدل على أن القبض كان فى ساعة متأخرة :
+ كان التلاميذ تعابى منهوكى القوى . وختى بطرس الصياد المخشوشن الذى ألف الصحو واليقظة والسهر فى البحر لم يقدر على مغالبة النوم .
+ يشير كل من متى ومرقس إلى ثلاث فترات متقطعة من النوم ، كان يوقظهم فى كل مرة مجىء يسوع إليهم من صلواته الحارة تحت الأشجار المتعانقة .
+ كان الوقت ظلاما حالكا ، واستطاع يسوع عند رؤيته المشاعل أن يميز القادمين للقبض عليه من بعيد ( مر 14 : 42 ) : " قوموا ننطلق ، هوذا الذى يسلمنى قد اقترب " .
ومن يقرأ تفاصيل هذه القصة الرائعة ، لا يسعه إلا التسليم أن – الرب وتلاميذه - هذه المرة إلى البستان تختلف عن سابقاتها التى أشار إليها البشير يوحنا ، فإن هؤلاء الرجال كانوا قد بقوا ، نزولا على إرادة سيدهم ، بعد الوقت الذى كانوا يأوون اليه عادة إلى مضاجعهم فى قرية بيت عنيا . وترقبوا شيئا كان يترقبه هو ، ويعرف تماما أنه حادث . وإذا افترضنا أنهم فرغوا من العشاء فى منتصف الساعة العاشرة ، وأنهم بلغوا البستان فى العاشرة تماما ، فلا يمكن أن يكون القبض عليه وقع قبل منتصف الساعة الثانية عشرة . وهذا يحدد لنا - بشىء من اليقين – الساعة التى بدأت فيها المحاكمة التمهيدية .
لقد أجمع علماء طبوغرافية أورشليم القديمة أنه كان هناك درج نازل من المدينة العليا إلى أحد أبوابها يؤدى إلى بركة سلوام ، فى الزاوية الجنوبية الشرقية من سور المدينة . وقد أشار إليه نحميا فى سفره ( ص 3 : 15 )بقوله : " الدرج النازل من مدينة داود " وأيضا ( ص 12 : 37 ) " وعند باب العين الذى مقابلهم صعدوا على درج مدينة داود عند مصعد السور " .
كان أمام الجند الذين ألقوا القبض على يسوع طريقان ، إما أن يسيروا بمحاذاة وادى قدرون الى أسفل الدرج ، ومنه إلى دار رئيس الكهنة ، وإما أن يتتبعوا طريق بيت عنيا الرئيسى إلى المدينة الجديدة ، ومنها إلى حى الكهنة . ولو أن التقاليد لم تشر الى اتخاذ الطريق الأول ، إلا أن السير بيسوع وسط الحى الغاص بالسكان فى المدينة السفلى لا يبدوا ملائما لأغراض القوم ، إنه يحتم عليهم أن يلفوا دورة طويلة تضيع عليهم وقتا طويلا ، والوقت عامل له خطورته فيما هم بصدده من عمل حاسم فى الليل .
وعلينا أن نتصور ونحن نقف فوق نقطة مرتفعة من أسوار أورشليم القديمة ، حوالى منتصف الليلة المأثورة ، لنرى فريقا من الجند والغوغاء يدفعون أمامهم بإنسان هادىء لا يقاوم ، من المنطقة الصخرية التى أحاطت بالناحية الشرقية من جدار الهيكل ، إلى الطريق التاريخى فى الجهة الجنوبية الشرقية من سور المدينة ، ثم إلى معسكر أعدائه الألداء الحاقدين .