عرض مشاركة واحدة
قديم 13 - 05 - 2012, 06:23 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

البابا المصلى

موضوع متكامل عن حياة ومعجزات البابا كيرلس السادس بطريرك الكرازة المرقسية الـــــ 116



من المتعذر علينا حقاً أن نقترب من شخصية البابا كيرلس السادس إذا لم تكن لنا خبرة حقيقية بحياة الشركة مع الله. ولا يمكننا بالتالى أن نفهم حياة هذا الرجلالقديس ، ما لم نكن نعرف معنى الصلاة بالروح والحق.. لقد كان قداسته دائب الصلاة .. يصلى ولا يمل .. لا يفتر لحظة عن التسبيح .. فى قلايته .. أو فىمقابلاته .. أو فى سيره، أو عند تناول الطعام .. دوماً يتلو المزامير ، رافعاً لله عقله ، وقلبه ، وكل حواسه .. كانت الصلاة مصدر تعزياته ، ووسيلته لحل مااستعصى من المشاكل .. والمرشد لاتخاذ القرار الحاسم . فهناك فى قلايته بعيداً عن الأعين كان يقضى أوقاتاً طويلة فى صلوات عميقة طارحاً أما الله كل المشاكلطالباً من أجل أولاده، ومن أجل الكنيسة والبلاد.

لقد كانت حياة البابا كلها صلاة . وكانت الصلاة أيضاً هى حياة البابا.
كان البابا يبدأ عادة فى الثالثة صباحاً مهما تأخرت ساعة إيوائه للفراش.. يقوم ليصلى مزامير نصف الليل، وبعدها يتجه إلى الكنيسة ليؤدى التسبحة التى يشبههابالمن الذى كان يجمعه بنو إسرائيل قبل شروق الشمس، والذى إذا ما أشرقت الشمس يسيل ولا يمكن جمعه .. وكان يصليها فى قلايته إذا كان متعباً ، ولا يقوىعلى مغادرتها.. وكنت أسمعه يرددها بتمعن وتلذذ عميق.
وروى قداسته واقعة حدثت لمرتل بيعة فى إحدى قرى المنوفية ليبين أهمية هذا الطقس - شأنه فى ذلك شأن كل طقوس البيعة - كان لذلك المرتل ابن كسول لايريد حفظ صلوات التسبحة فكان يعاقبه. وذات مرة ضربه ضرباً موجعاً وحبسه فى الكنيسة ، وجلس الولد يبكى حتى جاءته امرأة وربتت على كتفيه ، وقالت له :"مالك يا ابنى؟" فقال لها : "أبويا ضربنى دون أن أعمل شيئاً" فقالت له : "يا ابنى أبوك عايزك تتعلم وتبقى كويس زيه .. اسمع كلام أبوك وأنا هساعدك"،وانصرفت المرأة ، وبعد قليل رجع المرتل إلى ابنه ليراجع معه بعض الألحان التى سبق أن تعلمها، فوجده قد أتقنها فجأة ، ولم يعرف الابن سر هذا الإتقان . ولكنأبوه إذ كان رجلاً تقياً سأل ابنه : "ألم يحضر لك أحد ؟ " فقص الابن قصة المرأة التى حضرت له ، فقال له " أنها القديسة العذراء مريم أم النور، سلام الرب له".

أما صلاة القداس الإلهى فقد كانت هى الكنز الذى يفتحه يومياً ليغترف منه التعزيات الإلهية، وليطرح أمام "حمل الله" كل متاعبه وآلامه.. كان يصليه فى هدوءوعمق بصوت منخفض، ووجه مطرق إلى أسفل، ويغمض عينيه .. وتكاد صلاته بلا لحن .. وفى وقار وخشوع ولم يكن يسمح لنفسه أن يتكأ على المذبح أويخاطب أحداً..
ومع صلاة القداس يزرف الدموع الغزيرة .. فالدموع هى بنت الصلاة، وكنا جميعاً كشمامسة نجد أنفسنا نبكى معه.
والحقيقة أن قداسة البابا كان يميل إلى إقامة صلاة القداس كاملة بمفرده، ليشعر بالعزاء الأكبر: ولعلنا جميعاً قد لاحظنا فى بعض الأحيان أنه كان يحضر فى ليالىالأعياد القداسات المذاعة على الشعب، ولا يشارك فيها لأنه يقيم قداساً آخراً بعد ذلك ينتهى قبل الفجر.

وكان لشدة إيمانه بعظمة فائدة القداسات أمر بإقامة ثلاث قداسات بالكاتدرائية وقداسين بالكنيسة الصغيرة التى بجوارها ... وكان يردد : "لازم نفرح ملاك كل مذبحعلشان يذكرنا أمام الله". وكان يقول عن هؤلاء الملائكة "هم دول الجيش بتاعى اللى أنا بحارب بيه".
كما واظب قداسة البابا على صلوات رفع بخور باكر وعشية فى ملبس بسيط : الشملة البيضاء والصدرة الحمراء .. كان يؤدى الصلاة فرحاً مبتهجاً، ويدوربالبخور كل الكنيسة ، يبخر أمام كل الأيقونات طالباً شفاعة أصحابها. وكان يصمم على رفع بخور باكر بمفرده.. وحدث ذات مرة أن تقدم إليه قس راهب ليأخذمن الشورية ، كما جرت العادة مع بعض الرؤساء الروحيين، فقال له البابا: "ولماذا لا أرفع أنا البخور.. السنا نرفعه للعزة الإلهية .. هناك كبير او صغير أمام الله.. أننا جميعاً أمامه سواء" .. وكان يشير إلى عظمة هذا الطقس وكرامته ، ويقول : أنه يشبه خدمة هارون وزكريا.

وفى ليالى كيهك كان قداسته يجد عزاء كثيراً عندما يصلى تسابيح هذا الشهر المبارك بمفرده، داخل قلايته وكنت أدخل إليه فأجده ممسكاً بدف صغير ، يصلىبصوت مسموع. وكان يعاتبنى لعدم اشتراكى مع شمامسة الكنيسة فى صلاة التسبحة، ولكننى كنت أرغب فى الحقيقة أن أكون مستحقا مشاركة قداسته هذهالصلوات.. ولكنه يرفض.
ومع مجىء أسبوع الآلام كان يعيش مع أحداث هذا الأسبوع الحزينة .. فكان يحزن ويكتئب .. ويبكى .. وكان يصلى صلوات الساعة الأولى والساعات الأخيرةبالكنيسة حيث يكون الحاضرون قليلين.. وكان يقرأ الفصول سواء بالقبطية أو بالعربية كأى قارئ صغير. وفى قراءة الطلبة كان يركع - رغم تقدم سنه - مصلياًبدموع وانسحاق.

أما صلوات باقى الساعات فكان يصليها فى قلايته ببكاء كثير وتذلل عميق، واضعاً أمام ناظريه كل آلام كل آلام الفادى المخلص ، ذاكراً خطاياه وجهالات شعبه ،واكثر ما كان يؤثر فى نفسى منظر قداسته وهو ممسك بعكاز رهبانى بسيط، متخلياً عن عصا الرعاية.
وما أن ينتهى قداس الخميس الكبير (خميس العهد) - وكان ينتهى غالباً حوالى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر- حتى يبدأ البابا - وهو صائم - فى قراءةفصول أناجيل الروح القدس، ويقرأها باللغة القطبية بمفرده ، وهو واقف مرتيداً الشملة البيضاء ممسكاً شمعة بيده.. وكان هذا يستغرق وقتاً ليس بالقصير.. ولكنهيصلى شاعراً بالعزاء العظيم .

***

عليك أيها القارئ العزيز أن تتصور بعد ذلك مدى الحزن الذى أصاب قداسة البابا ، عندما أمره الأطباء بملازمة الفراش بعد النوبات القلبية التى أصابته فى أيامعمره الأخيرة .. لقد أثر فى نفسه تأثيراً بالغاً فراقه للمذبح الذى لازمه اكثر من أربعين عاماً رافعاً عليه القرابين المقدسة كل يوم ، والبخور فى الصباح والمساءولذلك - وبناء على طلب قداسته - ركبت سماعة فى قلايته ليتابع بواسطتها الصلوات المقامة بالكاتدرائية وليشترك مع هذه الصلوات بفكره وقلبه ودموعه. وكانيبين للأباء الكهنة ما أخطأوا فيه وما أصابوا، مركزاً بصفة خاصة على توضيح الألفاظ وعدم الإسراع فى الصلوات وضرورة الإكثار من الصلاة باللغة القبطية.

وهكذا كانت الحياة على الأرض بالنسبة لبابانا القديس كيرلس السادس صلاة مستمرة .. اتصال لا ينقطع بينبوع البركات التى تفوق العقل ولا يبلغ مداها أىوصف.. والصلاة بالروح هى التى تخلص القلب من ارتباطات العالم .. وتعطيه أنات الرغبة الحقيقية فى الانطلاق حيث الطهر الأسنى.
وبصلواته كم انحلت صعاب، وحلت مشاكل، وجرت آيات ومعجزات.
وعلى صفحات تالية من هذه المذكرات سنشتم أريج بخور صلاته المقبولة ، وسنسمع انتصارات النعمة وسنرى ماذا فعلت الصلوات ، وما هى ثمرة الأنات..
موضوع متكامل عن حياة ومعجزات البابا كيرلس السادس بطريرك الكرازة المرقسية الـــــ 116
  رد مع اقتباس